عبدالله الأيوبي : غزو الكويت جريمة بحق الشعبين
الثاني من أغسطس يصادف الذكرى الـــ 22 للغزو العراقي لدولة الكويت الشقيقة، الذي أحدث شرخا عميقا وتحولا غير مسبوق في العلاقات العربية العربية، وساعد في تمهيد الطريق أمام التطورات الكارثية التي حلت بالعديد من الدول العربية وبعلاقاتها مع بضعها البعض، فهذا الحدث، أي جريمة الغزو، ستبقى عالقة في أذهان المواطنين الكويتيين والعراقيين على حد سواء، ليس فقط ذلك الجيل الذي عايش وكابد تداعيات الغزو وانعكاساته على الأوضاع في البلدين، وإنما ايضا في أذهان الأجيال التي فطنت لهذا الحادث الخطير وعرفت تفاصيله من المصادر والوسائل المختلفة، والحديث عن هذه الجريمة والتذكير بها لا يجب تفسيره على أنه إعادة فتح للجروح التي بدأت تندمل مع إنجاز تحرير الكويت وتخليصها من نير الاحتلال، وإنما للعمل على عدم تكراره بين أي من دول الجوار العربية.
بعد أكثر من عقدين يمكن تأكيد أن العلاقات بين الشعبين الشقيقين في العراق والكويت، بل وبين الحكومتين، عادت إلى سابق عهدها، أي إلى ما قبل الغزو، حيث أدركت جميع الفعاليات والمؤسسات الرسمية والأهلية الكويتية أن الشعب العراقي ومؤسسات النظام السياسي العراقي في الوقت الحالي ليسوا مسئولين ولا يتحملون الوزر السياسي للنظام الذي نفذ جريمة الغزو، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه لا توجد خصومات دائمة في العلاقات بين الدول والشعوب، ناهيك عن أن الحديث يدور عن شعبين ودولتين شقيقتين وجارين يجمعهما من أواصر العلاقات وقوتها بما يمكنهما من الصمود أمام أعتى التقلبات.
من حيث الأضرار على المستوى الاستراتيجي فإن العراق هو الخاسر الأكبر من جريمة الغزو، صحيح أن جزءا كبيرا من أبناء الشعب الكويتي الشقيق شرد من وطنه على مدى أكثر من سبعة أشهر إلى جانب الخسائر المادية والاقتصادية الكبيرة التي لحقت بالدولة الشقيقة، سواء نتيجة عملية الغزو أو أثناء حرب التحرير، وكذلك الضحايا البشرية التي سقطت أثناء هذه العملية، لكن هذه الخسائر لا تذكر إذا ما قورنت بتلك التي تسببت فيها جريمة الغزو بالنسبة لشعب العراق والوطن العراقي والتي ما يزال يواصل دفعها حتى يومنا هذا.
فتداعيات جريمة الغزو لم تتوقف مع إنجاز تحرير دولة الكويت الشقيقة، فإن كانت هذه التداعيات استمرت مع دولة الكويت لفترة قصيرة نسبيا، فإنها مستمرة حتى يومنا هذا مع العراق وشعبه، فالغزو قدم هدية لا تقدر بثمن لأولئك الذين تربصوا بالعراق على مدى السنوات التي كان يبني فيها دولة قوية من عدة نواحي، فجاء الغزو ليضع اللبنة الأولى لتنفيذ مخطط تدمير العراق وتحجيمه، هذا المخطط الذي تواصل بعد عملية تحرير الكويت، فتحت عناوين مختلفة تصدرتها «أسلحة الدمار الشامل العراقية»، جرى تنفيذ واحدة من ابشع واقسى عملية حصار شامل تسببت في شل جميع القدرات العراقية وأعادت العراق إلى الوراء سنوات طويلة.
فالنظام السياسي الذي نفذ جريمة الغزو لم يعد له وجود، وقائده، الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، اعتقل وحوكم وأعدم بطريقة ترقى إلى المهزلة، ومع ذلك، فإن الأضرار التي نجمت عن جريمة الغزو بقيت تطارد العراق وأبناءه، حيث فتحت جريمة غزو العراق جميع أبواب تدمير البلد على مصاريعها، فلم تتوقف عند نهب مقدرات البلد وثرواته الطبيعية وأرثه التاريخي والحضاري، وإنما حولت البلد إلى واحدة من أخطر ساحات الإرهاب في العالم، حيث مكنت جريمة غزو العراق الجماعات الإرهابية من الانتشار والسيطرة على مناطق شاسعة في بلاد الرافدين بعد أن انهارت قواته وأجهزته الأمنية بفعل قرارات حاكم العراق الأمريكي بول بريمر.
كان هدف تدمير العراق وشل قدراته ودوره القومي على قائمة أولويات مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية وحليفها الاستراتيجي في المنطقة العربية، خاصة مع تعاظم قدراته بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، لكن كل ما بناه العراق انهار بجرة قلم بعد الحماقة السياسية التي ارتكبها النظام بغزو دولة الكويت والذي وجدت فيه الولايات المتحدة فرصتها الذهبية لوضع العراق في مصيدة التدمير التدريجي المدروس والذي انتهى بغزوه في مارس عام 2003 عندما دخل العراق في دوامة التدمير والتشطير العمودي للمجتمع، هذه واحدة من أخطر التداعيات المدمرة لجريمة غزو الكويت من قبل النظام العراقي السابق، فالكويت عادت كما كانت قبل الغزو وأفضل، أما العراق فلا يزال يدفع ثمن تلك الجريمة التي لم يكن لشعبه دور فيها أو مسئولية.