السيــد زهــره: لماذا لا نعاملهم بالمثل؟!
الغطرسة الغربية هي التي تحول بين مصالح الشعوب الغربية وبين إنهاء النزاع الأوكراني الروسي، فالكل يعرف أن قرار الحل السلمي والمفاوضات والدبلوماسية لإنهاء الحرب في أوكرانيا لم يعد بيد حكومة زيلينسكي الدمية في كييف، لكن بيد الدول الغربية، وتحديدا في يد أمريكا وبريطانيا، وهذا ما لا يرغب فيه القادة الغربيون حالياً، فهم لا يزالون يواصلون مد حكومة كييف بالأسلحة المتطورة والتدريب العسكري، وتوفير المعلومات الاستخباراتية، وتجنيد المرتزقة من مختلف الدول الغربية، وأكثرهم من (بولندا)؛ للقتال إلى جانب صفوف القوات الأوكرانية وكتائب أزوف النازية، ويفرض الغرب مزيداً من العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية ضد روسيا على أمل أن يقود كل ذلك إلى هزيمة روسية في أوكرانيا!!
هذه الغطرسة الغربية لعدم اعترافها بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الغرب في حرب أوكرانيا، ومعاناة الشعوب الأوروبية والبريطانية والأمريكية من التضخم وارتفاع الأسعار الجنوني في المواد الغذائية والطاقة بسبب العقوبات ضد روسيا خلق نوعاً من التصدع في وحدة المواقف الغربية إزاء العقوبات ضد روسيا، ومنذ يومين قالت صحيفة (فاينانشيال تايمز) «إن وحدة مواقف دول الاتحاد الأوروبي في موضوع العلاقات مع روسيا تقف أمام اختبار ثقيل وصعب على خلفية ازدياد التضخم والتدابير الممكنة لتوفير موارد الطاقة»، وأشارت الصحيفة إلى أن (الاتحاد الأوروبي) أظهر جبهة موحدة بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.. لكن مع ذلك يقف الزعماء الأوروبيون أمام اختبار صعب لاضطرارهم إلى التصدي للتضخم المالي المتزايد، ومواجهة أزمة الحد الأدنى للأجور، والآفاق الحقيقية لترشيد الطاقة.
وتتساءل صحيفة (فاينانشيال تايمز): هل سيتمكن قادة الاتحاد الأوروبي من مواصلة الدفاع لاحقاً أم سينهار تضامنهم عندما يجبرهم رفض المستهلكين الغاضبين على تخفيف عدائهم تجاه موسكو؟ وقالت: هناك بعض الدلائل على أن هذه الوحدة، فيما يتعلق بمسألة الطاقة على الأقل، لا تبدو قوية كما يجب أن تكون، وهي نذير شؤم للوحدة الأوروبية وحاجة دولها إلى الطاقة، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من الخلاف بينهما بسبب هذه الطاقة وحاجة شعوبها إليها.
هذا يعني أن الغطرسة الغربية سوف تصطدم بغضب شعوبها، التي بدأت تدرك أن قرارات حكوماتها في معاداة روسيا وفرض العقوبات الاقتصادية على موسكو جاءت بنتائج سلبية قاسية على الشعوب الأوروبية والبريطانية والأمريكية بدلاً من أن تؤذي تلك العقوبات الشعب والحكومة الروسية، مثلما كان زعماء الغرب يخططون لذلك. وفي هذا الشأن ذكرت (سكاي نيوز – عربية) يوم أمس: «لا تكاد تمر بضعة أيام من دون إعلان عقوبات غربية جديدة ضد روسيا، لكن الرد العكسي من موسكو هو الذي يبدو (خانقاً) على العالم الغربي، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، ومع طول أمد الحرب وانعكاساتها، تعمل روسيا التي قالت إن هدفها الرئيسي إزاحة نظام الرئيس (زيلينسكي) من السلطة والعمل على خنق الاقتصاد الأوكراني، وإرهاق القيادات الأوروبية والولايات المتحدة».
وبالفعل بدأت تظهر النتائج، فقد تواجه أوروبا كارثة إذا لم تنجح في توفير بدائل للغاز الروسي قبل الشتاء المقبل، حيث إن الجهود المبذولة في الوقت الراهن لم تفض إلى نتائج ملموسة، وبعد مرور 5 أشهر على حرب أوكرانيا فرض الغرب 6 حزم من العقوبات ضد روسيا، ووصلت تبعاتها إلى كل أصقاع العالم، ما بين موجة تضخم كبرى وتغيرات سياسية طالت لعنتها قادة وزعماء.. بدأت بخسارة الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) أغلبية في البرلمان، ثم استقالة رئيس وزراء بريطانيا (بوريس جونسون)، ثم استقالة رئيس وزراء إيطاليا (ماريو دراغي).
وتضيف (سكاي نيوز – عربية): كما يواجه أضخم اقتصاد في أوروبا (ألمانيا) أزمة غاز جعلت المستشار الألماني (أولاف شولتز) يصف الحرب بأنها «تهديد غير مسبوق»، سواء على الصعيدين الأمني أو الاقتصادي، وسط آفاق قاتمة على المدى المنظور، ومؤخراً وصلت تداعيات الأزمة إلى إطفاء الأنوار عن المعالم التاريخية للبلد، فيما قطعت السلطات في مدينة (هانوفر) الماء الساخن عن المباني والمؤسسات العامة، مخفضة درجات الحرارة القصوى للتدفئة كجزء من حملتها لترشيد صرف الطاقة.
وفي واشنطن يعاني الأمريكيون من ارتفاعات غير مسبوقة في كلفة الوقود والطعام، ودفعت الرئيس (بايدن) إلى الإفراج عن كميات قياسية من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، قدرها مليون برميل يومياً مدة 6 أشهر، ولكن من دون جدوى، ما سيشكل خطراً على (الديمقراطيين) في انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس المقررة في نوفمبر المقبل، بينما يسعون للحفاظ على أغلبيتهم بمجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين، وهو أمر قد يكون مستحيلاً في ظل شعبية تتهاوى وأوضاع اقتصادية تزداد سوءا.
إذن الغرب يدفع حالياً ثمناً غالياً جداً بسبب غطرسته في حرب أوكرانيا.. فهناك إضراب سائقي القطارات في بريطانيا المطالبين بزيادة الأجور لمواجهة التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته منذ 40 عاماً.. وهناك بوادر إضراب للطيارين العاملين في شركة (لوفتهانزا) الألمانية كبرى شركات الطيران الأوروبية للمطالبة بزيادة الأجور أيضاً لمواجهة التضخم في ألمانيا.. ومن المتوقع ألا يعمر (شولتز) طويلاً في المستشارية الألمانية أيضاً.
إذن الغرب يدفع حالياً ثمن غطرسة زعمائه، بينما شعوبه تتوجع من أخطاء التبعية العمياء لواشنطن.