عبدالرحمن المسفر: النموذج السعودي في الإدارة والحزم!
ليس عيبا أو غلطا أن نستفيد من تجارب الدول الشقيقة المجاورة لنا، خصوصا أساليب وفنون الإدارة في العمل الحكومي، وطريقة التعاطي مع مسؤوليات المنصب ومتطلبات المواطنين، كي نحقق معادلة الإنتاجية وتسيير مصالح الناس وفقا للقانون، وبما يراعي أسس الحوكمة الرشيدة القائمة على الشفافية والمساءلة، والإنصاف والمسؤولية.
من اللافت للنظر، ثنائية “الإنسانية والحزم” في إدارة شؤون المناطق في المملكة العربية السعودية، وتولية أمراء عليها يتمتعون بالكفاءة والنزاهة، وقوة الشخصية مع تحليهم بفضيلة الانفتاح على الجميع من دون تفرقة أو تمايز.
وهذا -بالطبع- بعد توفيق الله، ثم التوجيهات الحكيمة للملك سلمان والأمير محمد بن سلمان، ما أدى إلى استتباب الأمن ودوران عجلة التنمية في وطن أشبه ما يكون بقارة مترامية الأطراف.
حين نرى ما يفعله على سبيل المثال صاحبا السمو الأميران فيصل بن بندر (أمير الرياض) وخالد الفيصل (أمير مكة المكرمة) من جهود ملموسة وجولات ميدانية واستقبالات لمختلف الشرائح، رغم تقدمهما في العمر، نشعر أننا أمام شخصيات استثنائية في العطاء، ومراعاة ثقل الأمانة والمسؤولية، وهما بسلوكهما القيادي والإداري يعطيان دروسا عملية لمن يليهما في المراتب الوظيفية، وكذلك جيل الشباب الواعد بأهمية الإخلاص في أداء المهمات، واتقانها، والتفاني لما فيه رفعة الوطن والمواطنين.
وكثيرا ما تستوقفني روح الدعابة والتواضع الممزوجة بالتوجيهات الأبوية، والنظرات الحياتية الثاقبة التي يتسم بها الأمير فيصل بن بندر، وفي الضفة الأخرى، نزداد انبهارا بشخصية الأمير خالد الفيصل عندما يدير الاجتماعات الرسمية، وكأنه خبير متخصص تشرّب من مناهل العلم والمعرفة.
ضربنا هذين المثالين الحيين للدلالة على أن التقدم في العُمُر” ليس ذريعة للتقاعس عن تحمل أعباء المسؤولية، أو عائقا يهز العزيمة وينال من إرادة الجد والاجتهاد، من غير انتقاص أو تقليل من إسهامات وإبداعات بقية الأمراء، سواء أكانوا يتولون مناصب في بقية إمارات المملكة، أم هم على رأس وزارات وهيئات، أم في مجالات أخرى.
والأمر بلا شك، ينطبق على أبناء وبنات الشعب السعودي الذين حظوا بشرف خدمة بلدهم من خلال تعيينهم في مواقع قيادية، داخل وخارج، المملكة، وكانوا وما زالوا شعلة من النشاط ومضربا للفخر والاعتزاز نتيجة مثابرتهم وأمانتهم وإخلاصهم.
القيادة السياسية السعودية العليا، هيأت للمسؤولين مناخا إيجابيا للعمل والتغيير نحو الأفضل عبر دعمهم في اتخاذ القرارات الصائبة، وتمليكهم الأدوات والصلاحيات، ومساندتهم، ماليا ومعنويا وبشريا، كما أنها رسخت فيهم قيم طاعة ولاة الأمر ويقظة الضمير، وإعلاء مفهوم المصلحة العامة على ما سواه، وتشجيع المبادرات الهادفة وإشاعة ثقافة القدوة الحسنة، ولذا، فرضت السعودية نفسها، ليس فقط في محيطها العربي والإسلامي؛ بل على الخارطة الدولية كثقل سياسي ومؤثر اقتصادي، ومشارك فاعل في القرارات والمبادرات الدولية والأممية.
إن سر نجاح التجربة السعودية في الإدارة الحكومية خصوصا، وفي النواحي السياسية والحياتية عموما، ينطلق من مرتكز “حسن اختيار” لمن يشغل المناصب العليا والقيادية، استنادا إلى معايير الكفاءة والنزاهة والسمات القيادية الفذة، فضلا عن عدم غياب مبدأ الثواب للمجتهدين، والعقاب للمقصرين، وليس ثمة ما هو أسرع من لغة “الإعفاءات من المناصب”، والمحاسبة الفورية إذا تبين وجود خلل جسيم أو أخطاء فادحة.
على ضوء ذلك، لا سيما بعد أن وضع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رؤية المملكة” 2030″، على خارطة التنفيذ، وجدنا الجارة الكبرى، قد أصبحت بيئة عمل منضبطة ومبهرة، وفي موازاة ذلك حاضنة للرؤى والمبادرات، والمشاريع العملاقة التي من المتوقع أن تضعها على خارطة الريادة والتنافس عالميا خلال السنوات الخمس المقبله.