رأي في الحدث

أحمد الصراف : السديري.. ومجلة المجتمع

قال الإمام الغزالي: «وإن تأثير السماع في القلب محسوس، ومن لم يحّركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال بعيد عن الروحانية زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور وسائر البهائم، فإنها جميعاً تتأثر بالنغمات الموزونة»!

***

كتبت مقالاً قبل أيام أدعو فيه إلى الفرح والاستمتاع بالحياة من خلال الرقص والغناء والموسيقى، وكالعادة، انبرت أصوات نشاز يتخفى بعضها خلف أسماء نكرة ووهمية تهاجمني وتطالبني بترك البلاد، وتزامن نشر المقال مع آخر للزميل مشعل السديري في الشرق الأوسط، الذي ذكر فيه أن صحيفة الرياض السعودية تلقت رسالة غاضبة قبل 54 عاماً من مفتي المملكة، يحتج فيها على نشرها صور نساء سافرات، حيث ظهرت على صفحتها الرابعة صورة للمغنية أم كلثوم! طالب المفتي الجريدة بالترفع والشعور بالغيرة وعدم نشر الرذائل، والصور المحرّمة، وانتهى بتهديد مباشر لرئيس التحرير!

يضيف الزميل مشعل بأن المرأة الروسية فالنتينا تيرشكوفا ارتادت الفضاء وتجاوزت الجاذبية الأرضية قبل رسالة المفتي بخمسة أعوام. كما تقرر أن يخطو الأميركي أرمسترونغ على سطح القمر بعد رسالة المفتي بسنة واحدة فقط. ولكي لا تستغربوا ففي ذلك الوقت لم يكن محرماً على الصحف السعودية فقط نشر صور النساء، بل حتى إن بعض الكتب المقررة على المدارس لم تكن تقبل نشر صور حتى للحيوانات، وإن كان لا بد فإنهم يقطعون رؤوسها أو يضعون خطاً فاصلاً بين الرأس والجسد، وما أكثر الخيول والأسود والكلاب، وحتى الثعالب التي شاهدتها وهي مقطوعة الرؤوس والأذناب!

يستطرد السديري في مقاله طالباً السماح له القيام بقفزة زمانية لرؤية كيف أصبحت عليه مكانة المرأة في المملكة، فبعد الرؤية المعاصرة والتوجيهات أصبحت المرأة السعودية تشارك في التنمية والخدمة الصحية والتعليم والاقتصاد، وتقلدت المناصب العليا، وأصبح لها خلال فترة قصيرة حضور واضح في الوزارات والأجهزة الأمنية والشركات والمحالّ.

***

ذكَّرني مقال السديري بمقال كتبته قبل 30 عاما تقريبا عن محنة صديق قرر، في مبادرة شكر لجهود الأميركيين في تحرير وطنه، بناء مستشفى خاص وإطلاق اسم الأميركي عليه، تيمناً بأول مستشفى عرفته الكويت في تاريخها قبل أكثر من مئة عام.

قام بالترويج لفكرته من خلال إعلانات نُشرت في كل الصحف والمجلات، وورد في الإعلان أن أجنحة المستشفى ستحمل أسماء الأطباء والممرضين والممرضات الأميركيين، الذين قدموا الكويت مع البعثة التبشيرية عام 1912 للعمل في المستشفى في حينه.

شعرت مجلة المجتمع، لسان حال الإخوان المسلمين في الكويت، بالانزعاج؛ لأن صاحب مشروع المستشفى استثنى مجلتهم من إعلانه الشهير، وبعد تدخلات جرى قبول النشر ولكن واجهت الطرفين صعوبة، فتقاليد المجلة تمنع نشر صور نساء، سافرات، حتى لو كن عجائز وتوفين قبلها بنصف قرن!

أصر صاحب مشروع المستشفى على موقفه، وأصرت المجلة على قرارها، وبعد شد وجذب تم التوصل لحل من خلال إجراء عملية فوتوشوب يتم فيها وضع حجاب على رأس الطبيبات والممرضات الأميركيات (!!)

نشر الإعلان في نهاية الأمر بالأسماء، دون صور، لسخافة اقتراح عمل فوتوشوب للصور!

***

لو تُرجم هذا المقال، وقرأه من لا يعرف «عاداتنا وتقاليدنا»، فهل سيصدق أن هؤلاء البشر، المتواضعي الفهم والفكر، يتحكمون اليوم في مقدرات جهات كثيرة في دولة حديثة كالكويت، ويمسكون بالكثير من مفاصلها، ولهم حضور قوي في دول عدة عربية وآسيوية وغربية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى