رأي في الحدث

السيــد زهــــره: العراق ودموع التماسيح الغربية

تابعت‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬والتحليلات‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬تطورات‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وما‭ ‬يشهده‭ ‬من‭ ‬صراعات‭ ‬طائفية‭ ‬وفوضى‭ ‬وعدم‭ ‬استقرار‭ ‬وضياع‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬التحليلات‭ ‬يجمعها‭ ‬أمر‭ ‬واحد‭ ‬هو‭: ‬إبداء‭ ‬الحسرة‭ ‬وذرف‭ ‬الدموع‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬آل‭ ‬اليه‭ ‬حال‭ ‬العراق‭ ‬والشعب‭ ‬العراقي،‭ ‬ثم‭ ‬التفلسف‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬ومن‭ ‬ضياع‭.‬

سؤال‭ ‬واحد‭ ‬تتجاهله‭ ‬كل‭ ‬التحليلات‭ ‬الغربية‭ ‬هو‭: ‬من‭ ‬المسؤول‭ ‬عما‭ ‬وصل‭ ‬اليه‭ ‬حال‭ ‬العراق؟‭.. ‬من‭ ‬هو‭ ‬المجرم‭ ‬الحقيقي؟

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فقط‭.. ‬أشير‭ ‬الى‭ ‬نموذجين‭ ‬لما‭ ‬نشرته‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬الغربية‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭.‬

مجلة‭ ‬‮«‬إيكونوميست‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬الشهيرة‭ ‬نشرت‭ ‬تحليلا‭ ‬مطولا‭ ‬تناولت‭ ‬فيه‭ ‬التطورات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والصراع‭ ‬المحتدم‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الشيعية‭ ‬وأبعاده‭ ‬المختلفة،‭ ‬وقرار‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬الاختفاء‭ ‬عن‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬وما‭ ‬يعنيه‭.‬

‭ ‬‮«‬إيكونوميست‮»‬‭ ‬أنهت‭ ‬تحليلها‭ ‬بهذه‭ ‬العبارة‭: ‬‮«‬ويغيب‭ ‬عن‭ ‬المعركة‭ ‬الممثلون‭ ‬الذين‭ ‬ظلوا‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬يغطون‭ ‬السياسة‭ ‬العراقية‭. ‬وبدون‭ ‬وجود‭ ‬سليماني،‭ ‬فإن‭ ‬الفصائل‭ ‬الشيعية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬تتشاجر‭. ‬لقد‭ ‬سئمت‭ ‬أمريكا‭ ‬مجالسة‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬كلفتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬4400‭ ‬شخص‭ ‬ومئات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭. ‬المؤسسات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬أنشأتها‭ -‬برلمان‭ ‬منتخب‭ ‬ومحكمة‭ ‬فيدرالية‭ ‬ورئيس‭ ‬وزراء‭- ‬أصبحت‭ ‬ألعابا‭ ‬بيد‭ ‬المليشيات‭ ‬الشيعية‭. ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬فعل‭ ‬الاختفاء‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬فعل‭ ‬الصدر،‭ ‬بل‭ ‬فعل‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬عراق‭ ‬ديمقراطي‮»‬‭.‬

صحيفة‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬جانبها‭ ‬نشرت‭ ‬تحليلا‭ ‬عن‭ ‬أوضاع‭ ‬العراق‭ ‬وما‭ ‬يشهده‭ ‬من‭ ‬ضياع‭ ‬وعدم‭ ‬استقرار‭ ‬ومستقبل‭ ‬غامض‭.‬

تبدأ‭ ‬الصحيفة‭ ‬تحليلها‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬العراقيون‭ ‬يرون‭ ‬أسس‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬وهي‭ ‬تتحطم‭. ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الغني‭ ‬الذي‭ ‬أرادت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ان‭ ‬تجعله‭ ‬حرا‭ ‬وديمقراطيا‭ ‬حين‭ ‬قامت‭ ‬بغزوه‭ ‬واسقطت‭ ‬الدكتاتور‭ ‬صدام‭ ‬حسين‮»‬‭.‬

وتمضي‭ ‬الصحيفة‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬العراق‭ ‬أصبح‭ ‬دولة‭ ‬فاشلة،‭ ‬داخليا‭ ‬وخارجيا،‭ ‬وعلى‭ ‬المستويات‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭.‬

ويقول‭ ‬التقرير‭ ‬أيضا‭ ‬إن‭ ‬العراق‭ ‬بلد‭ ‬غني‭ ‬جدا،‭ ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬الى‭ ‬مرحلة‭ ‬الانهيار‭ ‬الكامل‭ ‬لهذا‭ ‬السبب،‭ ‬ولكن‭ ‬العراقيين‭ ‬لا‭ ‬يجنون‭ ‬ثمار‭ ‬هذه‭ ‬الثروة‭ ‬بسبب‭ ‬الفساد‭ ‬الرهيب‭ ‬المستشري‭.‬

على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتابات‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬الغربية‭ ‬حول‭ ‬العراق‭. ‬هذه‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬تكتبه‭ ‬وتتباكى‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬آل‭ ‬اليه‭ ‬حال‭ ‬العراق‭ ‬والشعب‭ ‬العراقي‭ ‬تذرف‭ ‬دموع‭ ‬التماسيح‭ ‬ومن‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تخجل‭ ‬من‭ ‬نفسها‭.‬

كما‭ ‬ذكرت،‭ ‬سؤال‭ ‬أساسي‭ ‬تتجنب‭ ‬طرحه‭: ‬من‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الحال‭ ‬البائس‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬العراق؟

لماذا‭ ‬لا‭ ‬تسأل‭ ‬الإيكونوميست‭: ‬من‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬وحكم‭ ‬المليشيات‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وعن‭ ‬قتل‭ ‬أي‭ ‬أمل‭ ‬ديمقراطي؟‭.. ‬هل‭ ‬صحيح‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬ان‭ ‬أمريكا‭ ‬أرادت‭ ‬إقامة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬في‭ ‬العراق؟

ولماذا‭ ‬لا‭ ‬تسال‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭: ‬من‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬أصبح‭ ‬دولة‭ ‬فاشلة؟‭.. ‬ومن‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬غرق‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬الطائفية‭ ‬والفساد‭ ‬والفوضى؟

لا‭ ‬يطرحون‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬لأنهم‭ ‬هم‭ ‬المسؤولون‭. ‬نعني‭ ‬ان‭ ‬الغرب،‭ ‬وبالأخص‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬هم‭ ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬مصائب‭ ‬العراق‭.‬

أمريكا‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬وعن‭ ‬عمد‭ ‬تام،‭ ‬خططتا‭ ‬بالغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬لتدمير‭ ‬العراق‭ ‬وإغراقه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬الطائفية‭. ‬الاحتلال‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أنشأ‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الطائفي‭. ‬وأمريكا‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬سلمت‭ ‬مقادير‭ ‬العراق‭ ‬الى‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬بما‭ ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المليشيات‭ ‬الطائفية‭ ‬العميلة‭ ‬التي‭ ‬تدمر‭ ‬العراق‭.‬

لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬الاستطراد‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتلال‭ ‬المروعة‭ ‬بحق‭ ‬العراق‭ ‬والعراقيين‭. ‬هذه‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬البريطانية‭ ‬والأمريكية‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬لديها‭ ‬ذرة‭ ‬من‭ ‬الإنصاف‭ ‬وهي‭ ‬تتطرق‭ ‬الى‭ ‬أحوال‭ ‬العراق‭ ‬الحالية‭ ‬لكانت‭ ‬قد‭ ‬طالبت‭ ‬بمحاكمة‭ ‬أمثال‭ ‬توني‭ ‬بلير‭ ‬وجورج‭ ‬بوش‭ ‬كمجرمي‭ ‬حرب‭ ‬وإبادة‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى