رأي في الحدث

جعفــرعبـــاس : الحلم العربي البريطاني

هل‭ ‬تذكرون‭ ‬الأغنية‭ ‬الجماعية‭ ‬‮«‬الحلم‭ ‬العربي‮»‬‭: ‬أجيال‭ ‬ورا‭ ‬أجيال‭/ ‬هتعيش‭ ‬على‭ ‬حلمنا‭/‬واللي‭ ‬نقوله‭ ‬اليوم‭/ ‬محسوب‭ ‬على‭ ‬عمرنا‭/ ‬جايز‭ ‬ظلام‭ ‬الليل‭/ ‬يبعدنا‭ ‬يوم‭ ‬إنما‭/ ‬يقدر‭ ‬شعاع‭ ‬النور‭/ ‬يوصل‭ ‬لأبعد‭ ‬سما‭/ ‬ده‭ ‬حلمنا‭.. ‬طول‭ ‬عمرنا‭/ ‬حضن‭ ‬يضمنا‭ ‬كلنا؟‭ ‬كانت‭ ‬الأغنية‭ ‬ناجحة‭ ‬بمقياس‭ ‬ريختر،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬الأندلس‭ ‬يقف‭ ‬فيها‭ ‬ممثلو‭ ‬كذا‭ ‬وعشرين‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬وهم‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬وفاق‭ (‬لاحظ‭ ‬أننا‭ ‬دائماً‭ ‬نستخدم‭ ‬مع‭ ‬انتهاء‭ ‬الحكم‭ ‬العربي‭ ‬للأندلس‭ ‬كلمات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬سقوط‮»‬‭ ‬و«ضياع‮»‬،‭ ‬وكأنها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬فرعاً‭ ‬من‭ ‬شجرة‭ ‬في‭ ‬تعز‭ ‬باليمن،‭ ‬ولا‭ ‬نستخدم‭ ‬تلك‭ ‬المفردات‭ ‬قط‭ ‬عن‭ ‬سقوط‭ ‬الحكم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬وشرق‭ ‬آسيا‭ ‬وشبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬الهندية‭… ‬أهي‭ ‬عقدة‭ ‬الخواجة؟‭ ‬وربما‭ ‬لأن‭ ‬الأندلس‭ ‬طراوة‭ ‬ونداوة‭!! ‬شخصياً‭ ‬أنا‭ ‬حزين‭ ‬لخروج‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬الأندلس،‭ ‬لأنهم‭ ‬لو‭ ‬بقوا‭ ‬فيها‭ ‬لكانوا‭ ‬اليوم‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬الأطلنطي،‭ ‬مرفوعي‭ ‬الرأس‭ ‬وموفوري‭ ‬الكرامة‭ ‬بلا‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬جامعة‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬بطيخية‭!). ‬أعود‭ ‬فأقول‭ ‬إن‭ ‬الأغنية‭ ‬نجحت‭ ‬لأنه‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬وقف‭ ‬ممثلو‭ ‬كذا‭ ‬وعشرين‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬اجتمعوا‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬واحد،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتشاجروا،‭ ‬ونجحت‭ ‬الأغنية‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬محتواها‭ ‬كان‭ ‬نفس‭ ‬الكلام‭ ‬السخيف‭ ‬الذي‭ ‬مللناه‭ ‬عن‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬حلم‭ ‬الملايين‭: ‬اجيال‭ ‬ورا‭ ‬اجيال‭ — ‬ح‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬حلمنا‭ / ‬الحلم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مستحيل‭ — ‬مادام‭ ‬تحقيقه‭ ‬مباح‭ / ‬والليل‭ ‬لو‭ ‬صار‭ ‬طويل‭ — ‬اكيد‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬صباح‭ (‬صباح‭ ‬مش‭ ‬ماتت؟‭).‬

وهذا‭ ‬كذب‭ ‬صراح،‭ ‬فملايين‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬حلم‭ ‬لهم‭ ‬سوى‭ ‬زيارة‭ ‬بريطانيا،‭ ‬أو‭ ‬الهجرة‭ ‬الى‭ ‬كندا‭ ‬وأستراليا،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬من‭ ‬غرس‭ ‬في‭ ‬دماغ‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬زيارة‭ ‬بريطانيا‭ ‬فرض‭ ‬عين،‭ ‬فتجد‭ ‬شخصاً‭ ‬زار‭ ‬بريطانيا‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬مثلاً‭ ‬وعندما‭ ‬تسأله‭: ‬متى‭ ‬الحج‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله؟‭ ‬يقول‭: ‬لما‭ ‬تتوفر‭ ‬الإمكانات‭ ‬المادية‭!!‬

كنت‭ ‬ذات‭ ‬مساء‭ ‬أغط‭ ‬في‭ ‬نوم‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬في‭ ‬فنشلي‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬لندن،‭ ‬عندما‭ ‬رن‭ ‬الهاتف‭ ‬وكانت‭ ‬الساعة‭ ‬نحو‭ ‬الثانية‭ ‬صباحاً،‭ ‬فأحسست‭ ‬بالانقباض‭ ‬لأن‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬يعرفونني‭ ‬يعرفون‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أرحب‭ ‬بأي‭ ‬مكالمة‭ ‬هاتفية‭ ‬بعد‭ ‬العاشرة‭ ‬مساء‭ ‬سواء‭ ‬بتوقيت‭ ‬جرينتش‭ ‬أو‭ ‬توقيت‭ ‬خليجتش،‭ ‬وأمسكت‭ ‬بسماعة‭ ‬الهاتف‭ ‬فجاءني‭ ‬صوت‭ ‬صديقي‭ ‬أحمد‭ ‬عبدالرزاق‭ ‬وهو‭ ‬مصري‭ ‬صعيدي‭ ‬مازال‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬ودخل‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬على‭ ‬طول‭: ‬يا‭ ‬قعفر‭ ‬هم‭ ‬العرب‭ ‬شايفين‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬غير‭ ‬الحاجات‭ ‬اللي‭ ‬بنشوفها‭ ‬إحنا؟‭ ‬ثم‭ ‬واصل‭ ‬الحديث‭: ‬بقول‭ ‬يعني‭.. ‬دي‭ ‬بلد‭ ‬بنت‭ ‬ستين‭ ‬وسخة‭ ‬وما‭ ‬فيهاش‭ ‬حاجة‭ ‬تشرح‭ ‬الصدر،‭ ‬والعرب‭ ‬عمالين‭ ‬يزوروها‭ ‬بالملايين،‭ ‬قلت‭ ‬له‭: ‬هل‭ ‬أيقظتني‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬لتسألني‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬هيام‭ ‬العرب‭ ‬بلندن‭ ‬قال‭: ‬آآ‭ ‬بذمتك‭ ‬مش‭ ‬حاجة‭ ‬تحير‭ ‬وتجنن؟‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬كلاماً‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬للنشر‭… ‬فضحك‭ ‬وقال‭: ‬أنت‭ ‬شارب‭ ‬حاجة‭ ‬يا‭ ‬جعفر؟‭ ‬قلت‭ ‬له‭: ‬حاشا،‭ ‬ولكنني‭ ‬سأخرج‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬شوارع‭ ‬لندن‭ ‬لأشتري‭ ‬زجاجة‭ ‬ويسكي‭ ‬من‭ ‬الحجم‭ ‬الكبير،‭ ‬لأزورك‭ ‬في‭ ‬بيتك‭ ‬وأدشدشها‭ ‬على‭ ‬دماغك،‭ ‬فقال‭ ‬بكل‭ ‬بجاحة‭: ‬لا‭ ‬أنت‭ ‬مش‭ ‬طبيعي‭!! ‬سبحان‭ ‬الله‭: ‬أنا‭ ‬اللي‭ ‬مش‭ ‬طبيعي؟

تذكرت‭ ‬صديقي‭ ‬عبدالرزاق‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ ‬عددا‭ ‬قديما‭ ‬نوعا‭ ‬ما‭ ‬لجريدة‭ ‬الأوبزيرفر‭ ‬اللندنية‭ ‬وفيه‭ ‬تقرير‭ ‬عن‭ ‬مداهمة‭ ‬مطاعم‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬بعد‭ ‬تسرب‭ ‬معلومات‭ ‬بأن‭ ‬بعضها‭ ‬يبيع‭ ‬لحوماً‭ ‬بشرية،‭ ‬لأسباب‭ ‬تتعلق‭ ‬بالسحر‭ ‬الأسود‭ (‬الفودو‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬براز‭ ‬الفئران‭ ‬مخلوطاً‭ ‬ببعض‭ ‬الأكلات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬إعداد‭ ‬‮«‬عمل‮»‬‭ ‬يجعل‭ ‬الزبون‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمطعم‭ ‬الذي‭ ‬أكل‭ ‬فيه‭ ‬ذلك‭ ‬البراز،‭ ‬وتقول‭ ‬الشرطة‭ ‬البريطانية‭ ‬إن‭ ‬الأعضاء‭ ‬التناسلية‭ ‬البشرية‭ ‬المطبوخة‭ ‬عليها‭ ‬إقبال‭ ‬شديد‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬الفودو‭ ‬لأنها‭ ‬تزيد‭ ‬الطاقة‭ ‬الجنسية،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬العرب‭ ‬يزورون‭ ‬لندن‭ ‬مسلحين‭ ‬بالقروض‭ ‬ويلجأون‭ ‬هناك‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬الرخيصة‭ (‬شبردس‭ ‬بوش‭ ‬مثلاً‭) ‬والمطاعم‭ ‬الرخيصة‭ ‬فقد‭ ‬رأيت‭ ‬أن‭ ‬أفتح‭ ‬شهيتهم‭ ‬لرحلة‭ ‬الصيف‭ ‬المقبل‭!. (‬الفودو‭ ‬اسم‭ ‬الدلع‭ ‬الجعفري‭ ‬للفود‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الطعام‭).‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى