جعفــر عبــاس : الصدر عورة يا كريستي
لحين ليس بالقصير من الدهر شغلت كريستي مارشال وكالات الأنباء بخبر غريب، فحواه أنها كانت تجلس في مكان فيه عدد من النساء والرجال وكاميرات التلفزيون، ورفعت بلوزتها ثم شرعت في إرضاع طفل كانت تحمله، وكان ذلك المكان هو مبنى البرلمان الأسترالي، وقد انشغلت الكاميرات عن متابعة الجلسة وقدمت بثاً حياً لولد النائبة البرلمانية مارشال وهو يشفط الحليب الطازج، كامل الدسم، ولكن رئيس البرلمان أمر بطردها من الجلسة فهاجت الدنيا وماجت، بين مؤيد لها ومعارض، وبما أن أستراليا ستصير منا وفينا، وربما تنضم إلى الجامعة العربية، مثل كندا التي صارت الوطن البديل لمئات الآلاف من العرب والمسلمين، مما سيعني أن أكل اللحوم الأسترالية البلاستيكية سيصير إلزامياً في منطقتنا، فقد رأيت أن أدلي بدلوي في الموضوع.
ولكنني في حيص بيص، فمن جهة فإنني أؤيد تأييداً مطلقاً حق أي أم في إرضاع وليدها، بل أطالب به في زمن صارت فيه النساء يعطين الأولوية لصحة واستدارة نهودهن، على صحة أطفالهن، فيوفرن النهود للمناسبات الاجتماعية، ويوكلن أمر إطعام المواليد لشركة نستله وأخواتها المراعي والروابي وفارليز. ولا بد هنا من توضيح أمر شخصي، فقد كتبت مراراً عن مرضعتي التي خصصتها أمي لإطعامي عندما كنت صغيراً، بحكم أنني من عائلة برجوازية، وقد كانت تلك المرضعة، وهي معزة من عائلة محافظة، تُربط على رجل السرير المخصص لي، ولكن كان ذلك في مرحلة ما بعد الفطام، فأبناء وبنات جيلي لم يرضعوا حليباً اصطناعياً قط، وحتى حليب البهائم لم يكن يقدم للصغار أيام زمان إلا بعد أن يبلغوا الفطام، ولحسن حظنا لم يكن العلماء قد اخترعوا الباكتيريا، ولم يكن اللبن بحاجة إلى بسترة أو قسطرة، فقد كانت حلاوته في تعاطيه فور حلبه، والرغوة تعلوه، فينزل في المعدة دافئاً، ومعه بعض شعيرات الماعز، وكانت تلك الشعيرات تقوم مقام الألياف التي يقال إنها تساعد على الهضم!
ومن جهة أخرى فإنني ضد تناول الطعام في مكان عام، وأعتقد أن ذلك الولد البيبي، أساء الأدب عندما تناول غداءه في مبنى البرلمان في حضور مئات الأشخاص والكاميرات، والأكل نشاط خاص وشخصي جداً، ولهذا فإن معظمنا لا يحب الجلوس في المطاعم التي تعج بالزبائن، وحتى لو جلس فيها فإنه يتضايق من وجود طاولات أخرى قريبة منه، ويفضل المعزولة، ثم إن الأمر لا يتعلق فقط بطفل يرضع، بل بامرأة تكشف عن صدرها أمام الأعين، حتى ولو لغاية نبيلة!! وإذا لم نستنكر مسلك كريستي مارشال فعلينا أن نسكت على مسلك فتيات الفضائيات العربية التجارية اللواتي يكشفن عن صدورهن أمام الملايين، لغير أغراض الرضاعة (ما لم تكن تلك الفضائيات تعتقد أن جمهورها يتألف من أطفال خُدّج، تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشرة والخامسة والخمسين!).
ويا عزيزتي كريستي، لقد قمت بالعمل الصحيح نحو طفلك الرضيع في المكان الخطأ، فصدرك عورة حتى بمقاييس أهلك، والمصيبة أن عملتك المهببة تلك صارت موضة، فقد شهدت برلمانات هولندا وبلجيكا، حالات عضوات فيها قمن بإرضاع أطفالهن خلال الجلسات، وبالطبع تحت سمع وبصر كاميرات التلفزة التي تحب كل ناهدة الثديين، مع أن وجود الأطفال مع أمهاتهم داخل البرلمان خطأ، بحسب اللوائح، لأن مقاعد البرلمان مخصصة لعضوية منتخبة، وإرضاع العيال داخل البرلمان لن يجعل منهم سياسيين بالرضاع أو الوراثة.
المرأة المهذبة سواء كانت شرقية أو برمائية، لا تكشف عن صدرها لإرضاع طفل إلا أمام أمها وزوجها وعيالها الصغار جدا، ونحمد لنسائنا أنهن لا يرضعن العيال إلا مستترات، ولو جاع رضيع وأمه العربية تجلس وسط خلق كثير، فإنها تتحرك الى مكان منعزل تضمن فيه أنه لا أحد يراها، والإنسان المحترم – رجلا كان أم امرأة – لا يكشف حتى عن إبطه أو جزء من بطنه فما بالك بالصدر.