عبد الله المدني:قصة أغنية «شويخ من أرض مكناس»
في عام 1982 أضاف الفنان البحريني المعروف أحمد الجميري إلى جملة أعماله الطربية الجميلة، التي بدأها بأغنية «أسمر ولقاني» من كلمات الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة سنة 1964، أغنية متميزة حطمت كل الأرقام القياسية وانتشرت خارج حدود البحرين بسرعة البرق، ولاقت الإعجاب الكبير بدليل قيام المطرب السعودي عبدالمجيد عبدالله بإعادة غنائها بصوته، ناهيك عن قيام الفنانة الكويتية الرقيقة رجاء محمد بغنائها في إحدى السهرات التلفزيونية بمصاحبة العود والدف والرق.
لم تكن تلك الأغنية سوى «شويخ من أرض مكناس» التي يقول مطلعها:
شويخ من أرض مكناس وسط الأسواق يغني
إش عليّ أنا من الناس وإش على الناس مني
إش عليّ يا صاحب من جميع الخلايق
إفعل الخير تنجو واتبع أهل الحقايق
لا تقل يا بني كلمة إلا إنْ كنت صادق
خذ كلامي في قرطاس واكتبوا حرز عني
وتنتهي بالأبيات التالية:
يا إلهي رجوتك جود علينا بتوبة
بالنبي سألتك والكرام الأحبة
الرجيم قد شغلني وأنا معه بنشية
قد ملا قلبي وسواس من ما هو يبغي مني
إش عليّ أنا من الناس وإش على الناس مني
لحن هذه الأغنية على مقام الراست الموسيقار البحريني خالد الشيخ، بعد أن عثر على كلماتها من خلال شغفه بالبحث في الزجل الأندلسي، علماً بأن خالد الشيخ لحن أغنتين أخريين من الأدب الأندلسي لنفس الشاعر هما «كلما كنت بقربي» و«مدير الراح». فما هي قصة هذه القصيدة المغناة؟ ومن نظمها يا ترى ؟
كلمات الأغنية من قصيدة شعبية وعظية كتبها قبل أكثر من 740 سنة في غرناطة وزير وتاجر وشاعر أندلسي ينتمي إلى أسرة ذات جاه وثراء هو «أبو الحسن علي بن عبدالله الششتري» (ولد في جنوب الأندلس عام 1212 وتوفي في مصر عام 1269).
وتقول قصتها إن الششتري صاحب «أبي مدين الصوفي ابن سبعين» وتصوف على يده حينما هاجر إلى فاس ومنها إلى مكناس بالمغرب. وكي يطهر ذاته ويستجيب لشروط الدخول في الصوفية كما أوصاه ابن سبعين، تجرد من متاعه وملابسه الفاخرة الناعمة ولبس بدلاً منها ملابس خشنة بالية مرقعة، ووضع حول عنقه «غرارة» (كيساً)، وحمل في يده «بنديرة» (أي الدف بالمغربية الدارجة)، معلناً تركه مباهج الدنيا وانصرافه لدعوة الناس إلى الخير والتقوى. وهكذا دخل الرجل أسواق مكناس، ضارباً الدف، متعكزاً على عكاز، ومنشداً كلمات قصيدة «شويخ من أرض مكناس».
ويقال ان الششتري (نسبة إلى قرية ششتر من أعمال وادي آش) هو أول من استخدم الزجل في عرضه للمعاني والمقاصد الصوفية، في حين أن أول من استخدم الموشح لذات الغرض هو محيي الدين بن عربي.
ومما ذكر عن الششتري أيضاً أنه كان كثير التجوال بأنحاء الأندلس، ومنها ارتحل إلى بلاد المغرب وجال فيها حتى ألقى برحاله في مدينة مكناس وسط شمال المغرب، علماً بأن مكناس تعد واحدة من أربع مدن تاريخية قديمة في المغرب، ويعود تأسيسها إلى القرن العاشر الميلادي على أيدي الأمازيغ الذين كانوا يسموها «مكناس الزيتون»، كما أنها صارت عاصمة للمغرب سنة 1673م في عهد مولاي إسماعيل.
وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن الشهرة الواسعة للأغنية دفعت ملحنها خالد الشيخ إلى تسجيلها بصوته الرخيم.