أحمد الدواس : اتركها تفسد ولا تشترِها … قصة من الأرجنتين
استيقظ الأرجنتينيون صباح أحد الأيام على اتفاق تجار الدواجن والبيض على رفع سعر البيض مرة واحدة، ولم يفكروا أن هناك من لا يستطيع الحصول على قوت يومه، وأن هناك من يكّد النهار والليل ليسد رمق أطفاله الجياع.
لكن الشعب الأرجنتيني كان أكثر حيلة وذكاء، فقد كان المواطن ينزل إلى السوبر ماركت، وعندما يجد سعر البيض مرتفعاً يعيده إلى مكانه، كانت هذه حال جميع الأرجنتينيين، فقد اتفقوا على فكرة ” اتركوه يفسد”.
فماذا حدث بعد ذلك ؟
بعد أيام، وكالعادة تأتي سيارة التوزيع الخاصة بشركة الدواجن لتنزيل الكميات الجديدة من البيض، ولكنهم فوجئوا بأن أصحاب المحال يرفضون أي كميات جديدة، فقام التجار بإعادة الكميات إلى مستودعاتهم، وقالوا لنصبر أياماً قليلة لعل وعسى أن يعود المواطنون لشراء البيض.
انتظر التجـار أياماً وانتظر الشعب ومرت الأيام، وتورط التجـار”الجشعون”، فتكدس البيض في الثلاجات والمخازن والمستودعات والبقالات من دون وجود مشترٍ، فيما استمرالدجاج في المزارع بإنتاج البيض، وأصحاب محال التموين لم يطلبوا أي طبق بيض، فالبيض الموجود لديهم بالأسعار الجديدة مازال على الرفوف.
لم تنته القصة هنا ، إذ بعد أيام اتفق التجارعلى بيع البيض بسعره السابق قبل الارتفاع، لكـّن الشعب الأرجنتيني الأبّي رفض أن يشتري البيض مرة أخرى ، وذلك لكي يتأدب التجار ولا يعودوا لمثلها، فعاد التجار وخفضوا سعر البيض مرة أخرى، هل انتهت القصة هنا ؟ كلا ، لم يشتر الشعب البيض، فانزعج التجار كثيرا، لأن الخسائر تتراكم .
أخيراً اتفق التجارعلى أن يبيعوا البيض بربع سعره قبل الارتفاع، مع تقديم اعتذار رسمي للشعب في الصحف بعدم تكرار ما حدث .
هنا انتهت القصة ، وأصبح الشعب الأرجنتيني العظيم فائزاً في معركته مع التجار، وان يشتري البيض بخصم 75 في المئة من سعره الأصلي، وهنيئا للشعب الواعي، المتفق فكريا، العارف لمصلحته ، فلقد فاز بالمعركة على التجار الجشعين.
هذا الوضع مشابه الى حد ما لما حدث في السعودية عام 2013 ، فقد دعا بعض السعوديين الى حملة اسمها ” خلوها تخيس” وهم يقصدون ان يمتنع الجميع عن شراء الطماطم بعد زيادة سعرها، ويمكن لنا في الكويت تطبيق النهج نفسه على جميع السلع الاستهلاكية، مما يجبر البائع على تخفيض أسعارها.
خلال وباء “كورونا” تحجج تجار الكويت بالتكلفة لرفع الأسعار، ومن حين لآخر تزعم وزارة التجارة ، ومعها غرفة التجارة، مراقبة الأسعار، والكل يعلم ان مصالح الغرفة والتجار تتطابق دائما، بل ويسرهما حدوث أزمة اقتصادية ليتحججوا برفع الأسعارليجنوا المكاسب، فعلينا جميعا كمستهلكين ان نمتنع عن شراء السلعة مرتفعة الثمن بعد أحداث أوكرانيا .
ثم نستغرب كيف ندفع خمسة دولارات أميركية كسعر لفنجان قهوة في مطاعم مثل ستاربكس، هذا سعر مرتفع، ربما نقبل ان يكون سعره دولارين أو ثلاثة مثلا.
لنفعل مثل الأرجنتينيين والسعوديين عند ارتفاع سعر سلعة ما، فما حدث أصلا هو نظرية في الاقتصاد تقول: “إذا قل الطلب انخفض السعر”.