“على خطى صدام” و”أظهر ذيله” .. ماذا وراء إساءات الصحف الإيرانية لرئيس الوزراء العراقي؟
خلال أسبوعين، بين خطابه في حفل افتتاح بطولة “كأس الخليج العربي 25″، وتصريحاته بأن العراق لا يزال بحاجة لوجود القوات الأجنبية، بدا رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وكأنه مبحر عكس تيار “الإطار التنسيقي”، الكتلة الشيعية التي يدين كثير من مكوناتها بالولاء لإيران، والتي رشحت السوداني لرئاسة الحكومة.
وقدمت إيران شكوى إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” بشأن عبارة “الخليج العربي”، واستدعت الخارجية الإيرانية السفير العراقي في طهران للتعبير عن احتجاجها، وصولا إلى مقالات نشرتها صحف إيرانية استخدمت عبارات مسيئة لرئيس الوزراء العراقي.
ورغم الحملة الإيرانية التي يتعرض لها السوداني، يعتقد مراقبون عراقيون أن مواقفة الأخيرة لا تعبر إلا عن توجه حقيقي، في حين يقول آخرون أن هذا التحول السياسي الذي عبر عنه السوداني “متفق عليه” داخل الإطار التنسيقي وبتفهم إيراني.
وبدأت الأزم حينما رحب السوداني بضيوف بطولة كأس الخليج، مستخدما اسم “الخليج العربي” خلال خطاب قصير مرتجل ألقاه في حفل افتتاح البطولة في السادس من يناير.
يقول المحلل السياسي محمد المعموري إن “هذه اللفتة بدت عفوية وتحت ضغط اللحظة في البداية”.
لكن السوداني كرر التسمية عدة مرات في لقاء مع قناة دويتشه فيلا الألمانية، مؤكدا أن “الخليج عربي وأن العراق جزء من المنظومة العربية”، مما أشغل الغضب في إيران.
ويضيف المعموري لموقع “الحرة” أن “البادرة لا تحمل معنى عمليا من حيث تغيير اسم الخليج، ولا أهمية لها بهذا السياق، لكنها مهمة جدا لأنها تظهر أن السوداني يبدو غير آبه باعتراضات إيران على موضوع حساس جدا بالنسبة لها”.
السوداني “أخرج ذيله”
وهاجمت صحف إيرانية عدة السوداني، ووصفته بعضها بألقاب مسيئة، مثل صحيفة آرمان أمروز، التي قالت إن السوداني “أظهر ذيله”، وصحيفة بيشخان التي قالت إن السوداني “يسير على خطى صدام حسين”.
وقالت صحيفة أمروز إن “استخدام هذه الأسماء يدل على أن لدى المسؤولين العراقيين أهدافا قومية تتمثل في التقارب مع العرب”.
ويقول المحلل المعموري إن “خطوات السوداني تشير فعلا في ظاهرها إلى وجود نوع من التقرب من العرب، خاصة في ظل التغطية الإعلامية الإيجابية الكبيرة التي حظيت بها بطولة الخليج من جانب الإعلام الخليجي، ما قد يشير إلى وجود تنسيق لتعميق التعاون”.
لكن السوداني لم يقف عند هذا الحد، بل أطلق تصريحا مثيرا آخر خلال مقابلة حصرية مع وول ستريت جورنل، قال فيها إن العراق يحتاج إلى بقاء القوات الأجنبية، من دون أن يحدد فترة لخروج تلك القوات.
وأثار هذا التصريح حنقا داخل إيران أيضا، حيث قالت صحيفة أمروز في مقال آخر إن “السوداني أخرج ذيله الحقيقي” في إشارة إلى مثل فارسي يعني ظهور النوايا الحقيقية المخفية.
والثلاثاء، التقى السوداني مع بريت ماكغورك، ممثل الرئيس الأميركي جو بايدن، في بغداد، وقال بيان عراقي إن الطرفين اتفقا على “تعزيز العلاقات” وأن واشنطن أكدت دعمها للحكومة العراقية الحالية.
برضا طهران
لكن الخبير السياسي عقيل عباس يقول لموقع “الحرة” إن هذا التقارب مع واشنطن هو برغبة أطراف كثيرة داخل الإطار التنسيقي الشيعي، وبـ”تفهم من طهران”.
ويعتقد عباس أن “الجماعات الرئيسية داخل الإطار ومنها العصائب مقتنعون بأنهم لا يستطيعون إثارة موضوع القوات الأجنبية لأن هذه الحكومة – التي رشحوها – بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي”.
ويضيف “السياق الوحيد الذي يمكن فيه إثارة هذا الموضوع هو ضمن الصراعات الداخلية في كتلة الإطار مثل الصراع على المناصب أو الضغط على السوداني، بمعنى أن الحافز الحقيقي ليس هو قضية القوات الأميركية وإنما الضغط على السوداني”.
ويقول إنه “لا توجد قوة كبيرة داخل الإطار تعمل جديا على موضوع خروج القوات”.
ولا يعتقد عباس أن “مواقف السوداني تعبر عن رغبة في إعادة النظر بالعلاقات مع طهران”، مبينا “هناك براغماتية حتى داخل الإطار التنسيقي”، واعتراف بـ”الاحتجاج السياسي ضد إيران الذي ظهر واضحا خلال بطولة الخليج بشكل الحفاوة الكبيرة التي استقبل بها العراقيون الخليجيين”.
صراع داخل إيران
ويقول الصحفي المتخصص بالقضايا الإيرانية، مصطفى ناصر، إن العراق “ينظر إليه داخل إيران من خلال منظارين، أحدهما منظار الحرس الثوري والثاني منظار الإصلاحيين”.
وبحسب ناصر فإن الحرس الثوري “أدرك مؤخرا انهم غير قادرين على التعامل مع الملف العراقي كما يتعاملون مع الملف السوري او اللبناني، لأن الفاعل الأميركي لا يزال قويا في العراق، على الرغم من ابتعاد تأثيراته على المشهد العام”.
وأضاف أن “الحرس الثوري بدا على استعداد لتقديم تنازلات تاريخية للأميركيين واللاعب الدولي، قبالة أن يبقي ملف العراق لديه، ويبعد الإصلاحيين لفترة أطول”.
ويعتقد ناصر إن “السوداني سيكون ملزما بتنفيذ جملة خطوات بالتنسيق مع الإطار والحرس الثوري، وتكون نتائجها في صف المصالح الاميركية في المنطقة”.
ويستشهد ناصر بالـ”رفض الخجول” لفرض البنك الفيدرالي الأميركي عقوبات مؤخرا على بنوك عراقية، وعدم وجود اعتراضات من القوى المرتبطة بإيران منسجمة مع الاعتراضات الإيرانية القوية على بطولة الخليج”.
وفي المحصلة يرى ناصر إن “الانتقادات التي يتعرض لها السوداني تأتي من خلال أذرع الإصلاحيين الإعلامية التي تريد تأجيج الشارع الإيراني ضد سياسة الحرس الثوري الخارجية باعتبارها سياسة فشلت في السيطرة على العراق”.
وحتى الآن، لم تظهر مواقف سياسية رسمية داخل العراق، معارضة لتصريحات السوداني بشأن بقاء القوات الأميركية، سواء من جانب الأطراف المشتركة بالحكومة أو المعارضة داخل البرلمان وخارجه.
ولم تعلق قيادات الإطار علنا، حتى الآن، على تصريحات السوداني، واكتفت بالتهئنة بتأهل العراق إلى نهائي بطولة كأس الخليج، بدون الإشارة إلى الجدل بشأن تسمية الخليج أو الجدل بشأن بقاء القوات الأجنبية.