الحياء فضيلة كبرى، في الأديان والفلسفات ولدى الأمم والشعوب، و«الحياء من الإيمان» والبشر يختلفون في تحليهم بالأخلاق الفاضلة والقيم العليا، بين فردٍ وفردٍ، ومع الاختلاف حول الأصل في البشر بين الخير والشر، إلا أن الأخلاق تظل قيمة عليا.
انصراف البشر عن الأخلاق له مسببات اجتماعية وسياسية وثقافية وأيديولوجية، وهم يوجدون لأنفسهم مخارج ومبررات لترك الأخلاق والانصراف عنها إلى نقائضها وأضدادها، وهذا واضح في صراعات البشر اجتماعياً وسياسياً بحيث ينحرفون عن الطريق القويم لمصالح ذاتية أو سياسية، والسياسة طبيعتها الصراع. الأيديولوجيا المتطرفة بوصفها تمثل «حقاً محضاً» لدى أتباعها وبغض النظر عن الخلفية الدينية أو الفلسفية لها، لطالما استخدمت لتبرير كل ما هو غير أخلاقي وغير إنساني، ويكفي قراءة الأيديولوجيات الأوروبية الحديثة من نازية وفاشية وشيوعية ورصد استباحتها لكل المحرمات الأخلاقية والدينية والفلسفية.
في تراثنا العربي قيمة الأخلاق عاليةٌ جداً ويجمع بعض المفكرين أخلاق العرب في «المروءة» التي تمجد كل فضيلة وتحارب كل رذيلة، وهو ما عززه الإسلام بآياتٍ قرآنية وأحاديث نبوية منها «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقد جرى في تاريخ المسلمين تشوهات للأخلاق كان باعثها الأيديولوجيا التي تبرر ترك الأخلاق لهدف عقدي أسمى لدى أتباع تلك الأيديولوجيا.
الخوارج أشنع الفرق في تاريخ المسلمين، وأكثرهم انحرافاً وتشدداً، وهم كانوا على غلوٍ ظاهر في التمسك بالدين ومع ذلك فقد استباحوا بأيديولوجيتهم دماء المسلمين وأموالهم لشبهات صغيرة وأقاويل مهترئة بنوا عليها أفعالهم وبرروا بها جرائمهم، ومثلهم ما صنعته جماعات الإسلام السياسي منذ ظهورها في تاريخ المسلمين الحديث نهاية العشرينيات من القرن المنصرم. كافح حسن البنا مؤسس «جماعة الإخوان» للدفاع عن صهره عندما استباح أعراض نساء الجماعة، وبرّر سيد قطب لكل مساوئ الأخلاق ووصف المجتمعات المسلمة بـ «الجاهلية» بهدف الوصول إلى «الحاكمية»، ففي سبيل الوصول إلى سدة الحكم كل شيء مباح، حتى لو كان غير أخلاقيٍ في قيم العروبة ونصوص الدين.
وعلى هذا المنوال سارت كل جماعات الإسلام السياسي وتنظيمات العنف الديني، وقصص عناصر هذه الجماعات في الانتهاكات الأخلاقية كثيرة ومشهورةٌ من «عقوق الوالدين» الظاهر والشنيع إلى «شذوذاتٍ أخلاقية» يندى لذكرها الجبين، وهي تصدم عامة الناس حين تظهر تفاصيلها وتنشر معلوماتها.
«الغدر» هو أحد المبادئ غير الأخلاقية التي تعتمدها هذه الجماعات منهجاً تغرزه في عقول الناشئة التابعين لها منذ نعومة أظفارهم، وهم يتفاخرون به ويربون عناصرهم عليه في محاضن التربية، وقد أنكرته عليهم بعض التيارات وشنعت عليهم به وهو تشنيع صحيح، وهم حين يغدرون لا يستحون من ذلك لأنهم يبررونه بالأيديولوجيا، وبأن الهدف الأسمى يغفر الخطايا الصغار.
إنهم لا يستحون من قتل الأبرياء، ولا يستحون من نشر الإرهاب والتفجير، ولا يستحون من استهداف الأطفال والنساء وكبار السن والمدنيين، ويبررون ذلك بأنه «جهاد» في سبيل الله وقربة إليه، ولئن جبل البشر على حفظ المعروف فإنهم لا يستحون من عض اليد التي تمتد إليهم بالفضل، ولا يستحون من طعن الظهر والغدر بالمحسنين إليهم.
من يقرأ في أدبيات هذه الجماعات والتيارات، تنظيماتٍ ورموزاً، يكتشف بأنهم يكيلون المدائح لدولة أو زعيم سياسي ثم يغدرون به ويسعون لاغتياله، وقصصهم في «خيمة القذافي» والتملق له منشورة معروفة وانقلابهم ضده وإفتاؤهم بقتله مشهورة معلومة. أخيراً، فتجد كثيراً منهم يبني أيديولوجيته وخطابه وتنظيمه على التهجم على هذه الدولة أو تلك ثم لا يستحون من التسوّل على أبوابها حين تدعو الحاجة وتشتد الفاقة، دون التفاتٍ لتبرير أخلاقي أو تحلٍ بحياء ديني.