أحمد الدواس : إعلام عربي سيئ للغاية
كان المحلل العسكري العراقي إحسان قيسون يشرح بطريقة جميلة وسلسة، وفجأة يتدخل المذيع، أوالمذيعة، بمقاطعته فضاع الشرح، يا حسرتاه، ويا ويلتاه…وتباً.
ففي قناة “سكاي نيوز عربية” يوم 12 ديسمبر 2019، مثلا، قال المحلل: “لقد تعرضت القوات الأميركية في بغداد لهجوم مسلح، ومن المعلوم ان هناك أحزابا عراقية متعاطفة مع إيران، وفي الأيام المقبلة أتوقع ان”، وهنا قاطعته المذيعة فورا كأنها تستعرض ثقافتها العسكرية! يا أختي اصبري قليلا، دعي الرجل يكمل كلامه، ودعينا نفهم المسألة.
أوعندما يتحدث الضيف فيقول: “من المعروف ان الأزمة اللبنانية بدأت عندما”، ولا يكاد ينهي سطرا واحدا من حديثه حتى نجد المذيع يتدخل ويقاطعه، ما هذا، هل يريد المذيع استعراض قدراتهما الفكرية؟
على هذا المنوال هو الإعلام العربي، فلا غرو إذن ألا يفهم العربي شيئا عن الأحداث في بلاده.
كل الأخبار العربية تقريبا لا تُحلل الأحداث بطريقة متسلسلة، بل هي أسلوب إنشائي ممل على طريقة أسلوب الجامعة العربية العقيم “تحدث الجانبان…اتفق الجانبان”، فيما لا نفهم سبب المشكلة، فلا أحد، مثلا، يكلف نفسه ويأتي بمقدمة يشرح لنا سبب اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا، بل كل التركيز على طرف دون آخر، وأن أطرافا عربية تؤيد الزعيم الليبي في الشرق، ودول أخرى بما فيها الأمم المتحدة، تؤيد الجماعة التي سيطرت على طرابلس.
أوعند مناقشة الوضع في لبنان، نجد جميع التحليلات تنتقد بشدة هذا الطرف اللبناني أو ذاك، ولا تشرح، ولو بسطرين، سبب الأزمة الحالية.
ولما يجلس المواطن العربي أمام شاشة التلفزيون ليستمع الى شرح سياسي رائع ومفيد، مثل كلام إحسان قيسون، أو الكاتب الليبي عبد الحكيم معتوق تقاطعه المذيعة أو المذيع بحجة “ليس لدينا سوى ثوان من وقت البرنامج، يالله…إسرع…خلص كلامك “.
وكانت مراسلة قناة “سكاي نيوز العربية” قد قالت في يناير الماضي: “هنا في باريس خرج الشعب في مظاهرات تعارض إصلاح قانون التقاعد، كما ترون محطة القطارات خالية، وموظفو المطار أضربوا أيضا”، يا أختي قولي السبب، فيما رد المسؤول في القناة: “نشكر المراسلة”، وانتقل الى خبر آخر، لكننا لم نفهم شيئا؟ وهكذا هي التحليلات العربية في معظمها.
لا نرى المذيع يقاطع حديث الطرف الآخر في القنوات الإخبارية الأجنبية، وهذا يذكرني بسنوات الجامعة في الفترة بين 1969 و1973، اذ لم نفهم شيئا من أستاذ الاقتصاد، الذي جاء من بلد عربي، وأخذ يتمتم في المحاضرة، ولا يقول لنا كيف ظهرت النقود، مثلا، بل يتكلم عن الرأسمالية وكينز، ولم يكلف نفسه ويذكر لنا من هذا الشخص كينز؟ وكان الأساتذة في ذلك الوقت يبخلون على الطلاب بالمعلومة المفيدة، ولا يكلفون أنفسهم شرح المسألة بطريقة هادئة ومفهومة.
لم يعجبني أسلوبهم، فأخذت اقرأ بالانكليزية كتاب الاقتصادي البارع سامولسن، حتى وأنا أضيء الشموع في السودان، قبل 51 سنة، كان أسلوبه فذا جميلا في الشرح، مع كتب أخرى عن الاقتصاد، فهمت، وهو ما دعاني الى كتابة المقالات بأسلوب واضح ومفيد، بل ان أسلوبي هو ردة فعل على عدم التحليل بشكل مفهوم.
ومن بين عيوب الإعلام العربي، ان الكاتب العربي لا يترجم مقالاته الى الانكليزية ويرسلها الى الصحف الأميركية، مثلاً، لكي يدافع عن القضايا العربية، فعدد العرب نحو 350 مليون شخص، فأين الدكاترة أصحاب الشهادات، الصحيحة أو المزيفة، لماذا لا يدافعون عن المنطقة العربية؟
أتدرون من يدافع عن المسلمين في صحف الغرب؟ إنهما الهندي والباكستاني!