رأي في الحدث

محمد أبوالفضل : حيرة أم استقرار مصري حيال المشهد الانتخابي الرئاسي

قبل عام من موعد الانتخابات الرئاسية في مصر تبدو المؤشرات في صالح الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي بالرغم من تراجع شعبيته بسبب الأزمة الاقتصادية وما تلاها من تأثير على الأوضاع المعيشية. لكن لا يوجد في الصورة منافس جديّ له، ما قد يضطر إلى الرهان على مرشح بلا طعم ولا وزن لإخراج الانتخابات في صورة التنافس والنزاهة.

*بدأ الحديث عن انتخابات الرئاسة في مصر يتزايد همسا، حيث يتبقى أمامها نحو عام لتدخل مرحلة الحسم ويتعرف الناس على أسماء يمكن أن تخوضها، خاصة أن دوائر سياسية أشارت تصريحا وتلميحا إلى ضرورة أن يكون للمعارضة مرشح توافقي يستطيع أن يخوض غمار معركة تدور رحاها وسط أجواء اقتصادية ساخنة وسياسية باردة.

السيسي المرشح الأوفر حظا والمشكلة في سيناريو الانتخابات المقبلة.

كل التقديرات تقول إن الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي سوف يخوض المنافسة، غير أنه لم يعلن رسميا ذلك ولم يتخذ من الخطوات التي تؤكد أنه ليس مطمئنا أو أنه سيواجه منافسة حادة من الواجب أن يستعد لها جيدا من الآن، فالزيارات التي يقوم بها والمشروعات التي يفتتحها على فترات متقاربة لا تعدّ دليلا على أنها تندرج في إطار الدعاية الانتخابية، فقد اعتاد على زيارة أماكن عديدة وافتتاح مشروعات مختلفة.

يوحي الهدوء الظاهر في المشهد المصري من الانتخابات بأن الأمور محسومة لصالح السيسي، ولا يوجد من يستطيع منافسته شكلا أو مضمونا، فقوى المعارضة غير مهيأة لتجهيز شخصية تحظى بتوافق يمكنها أن تمثل بديلا مقبولا في الوقت الراهن بعد أن عانت من ترهل مزدوج السنوات الماضية، من الداخل بسبب خلافاتها وانقساماتها، ومن الخارج بسبب التضييق الذي مارسته الحكومة عليها في الشارع والإعلام.

وجرى تعديل الدستور المصري عام 2019 بما يمكّن الرئيس السيسي من إعادة الترشح مرة أخرى، حيث كان ينص على مدتين رئاسيتين، مدة كليهما أربع سنوات، لكن التعديل الذي أدخل عليه زادها إلى ست سنوات، وتحسب من الانتخابات الماضية عام 2018، بمعنى يحق للرئيس السيسي البقاء في السلطة حتى 2030، بدلا من أن تنتهي مدة ولايته عام 2022 قبل تعديل النص السابق للدستور.

ومع أن الرئيس السيسي يبدو خسر جزءا من شعبيته بعد تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وتوابعها وانعكاساتها الاجتماعية على المصريين، فإنه يظل خيارا مقبولا لشريحة كبيرة منهم يرون أهمية أمنية قصوى لاستمراره، ولا يزال في نظر هؤلاء الخيار الضرورة الذي يجب منحه المزيد من الوقت لجني ثمار نتائج المشروعات العملاقة التي شرع في تدشينها عقب توليه السلطة، وترسيخ قواعد استقرار الدولة.

ويقول المنتقدون للسيسي إن السياسات التي اتبعها، وإن حافظت على وحدة الدولة واستقرارها، إلا أن فئة كبيرة من المواطنين دفعت فاتورتها الاقتصادية والاجتماعية، وتم تجريف الحياة السياسية، ولم تعد الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني قادرين على القيام بأدوارها في ظل تصرفات أغلقت الأبواب الرئيسية للممارسة السياسية.

ويؤكد هؤلاء المنتقدون أن هذه الحالة من الطبيعي ألاّ تساعد على تفريخ كيانات أو شخصيات يمكنها خوض الانتخابات المقبلة عن جدارة، ومن الطبيعي أن يؤدي التصحر السياسي في المشهد العام إلى عدم ظهور شخصية كاريزمية تستطيع المنافسة في انتخابات مشكوك أن تتوافر لها مقومات النزاهة والشفافية.

ويرد المؤيدون للسيسي والرافضون لمنطق الفراغ والتصحر والتضييق والخوف بأن الضرورات تبيح المحظورات والتحديات التي تواجهها البلاد في الداخل والخارج تجعل كل الطرق تقود إلى دعم استمرار الرئيس الحالي ليتمكن من مواصلة مشروعه القومي، ويحاول هؤلاء الإيحاء بأن الأزمة الاقتصادية ليست مقياسا للفشل، فاستقرار الدول وتماسك الشعوب يتطلب المزيد من التضحيات.

ولا يزال خطاب فريق المؤيدين يتسلل في صمت وهدوء وبصورة متدرجة وبلا إعلان واضح ومحدد ورسمي يؤكد أن السيسي سوف يخوض الانتخابات المقبلة، كأنه يتم التجهيز لشيء ما يعيد للرئيس ما فقده من شعبيته جراء المشكلات، أو أن هناك خشية من مفاجآت يمكن أن تحدث في اللحظات الأخيرة تؤثر على ترتيباته.

ففي الحالتين، يظل الرئيس السيسي المرشح الأكثر حظا حتى الآن ويحظى بدعم المؤسسة العسكرية كقوة صلبة ومؤثرة، وكشف خطابه السياسي في أوقات كثيرة أنه يسعى إلى استكمال مشروعه التنموي في البناء والتعمير، بما يعني أنه في حاجة إلى المزيد من الوقت قد يفوق السنوات الست المقبلة.

وتكمن المشكلة في السيناريو الذي سوف يتم به إخراج مشهد الانتخابات، ففي المرة الأولى التي ترشح فيها عام 2014 كان منافسه حمدين صباحي، وهو سياسي له شعبية وتاريخ منحا الانتخابات سخونة مقبولة، وبدا فوز السيسي وهو في ذروة شعبيته منطقيا، وكانت التحفظات على العملية الانتخابية محدودة وقتها، فقد وفر خوض صباحي الانتخابات زخما لها ومنحها مصداقية كبيرة.

في المرة التالية، عام 2018، بدا مشهد الانتخابات الرئاسية باردا إلى أقصى درجة، لأن منافس السيسي رئيس حزب معارض محدود الكفاءة والإمكانيات والحضور السياسي، وهو رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، والذي شوّه العملية الانتخابية بإعلانه تأييد خصمه في انتخابات ينافس فيها، ما ترك انطباعات سيئة في حينه.

ويحتاج المشهد الانتخابي المقبل إخراجا سياسيا جيدا ليمرّ انتخاب السيسي بصورة سهلة، من حيث النزاهة وقوة المنافسة والمشاركة الشعبية والرقابة على الانتخابات من قبل منظمات حقوقية محلية ودولية، فضلا عن وجود منافس يمنح الانتخابات حيوية كي لا تبدو استفتاء على شعبية السيسي، وتعيد إلى الأذهان ما حدث في عهود مصرية سابقة من مسرحيات سياسية قاتمة.

ويعد السيناريو الذي طبق في الانتخابات الأولى أو الثانية صعبا الآن، فلا توجد شخصية معارضة وازنة تشبه صباحي وتعيد تكرار نموذجه، وإن وجدت تريد توفير ضمانات كافية لنزاهة الانتخابات، وهو اختبار يواجهه النظام حاليا حيث تشير تصوراته إلى صعوبة الاستجابة لضمانات تمثل حرجا له، لأنها تشجع الكثير من الشخصيات على الترشح، ما تراه السلطة أداة للانقسام وليس دليلا على النزاهة والحرية.

ويؤدي غياب الضمانات إلى اللجوء لما يسمى بخيار “موسى مصطفى موسى”، أي الموافقة على ترشيح ممثل سياسي للمعارضة بلا طعم أو لون أو رائحة، ما يفقد العملية الانتخابية العافية التي يحتاجها فريق السيسي ليؤكد أنه لا يزال يحظى بشعبية كاسحة، ففي المرتين السابقتين كان يحظى برصيد شعبي كبير اكتسبه من دوره في إزاحة نظام الإخوان.

يأتي الاستقرار في المشهد الانتخابي من إعادة ترشيح السيسي وعدم وجود بديل له داخل السلطة، وتأتي الحيرة من العثور على منافس قويّ يخوض انتخابات حقيقية، أم اختيار مرشح ضعيف أم تتحول الانتخابات إلى حدث شبيه بالاستفتاءات التي عرفت في مصر سابقا.

وتؤكد كل الخيارات أن الطريق إلى انتخابات الرئاسية يمكن أن يصبح مرهقا على غير ما يتصوّره الكثير من داعمي الرئيس السيسي، فآليات إخراج المشهد بصورة جيدة أهم من المشهد نفسه، والخوف من أن الأجهزة الحكومية التي تؤدي عملها على أكمل وجه لصالح الرئيس أن تخطئ في عملية تقديم إنجازاتها بالشكل المطلوب.

ويحتاج مشهد الانتخابات الرئاسية عملية سياسية متقنة، تتوافر لها الكثير من العوامل التي تثبت أن النظام المصري استوعب دروس السنوات الماضية، وعلى استعداد لفهم رسائل الصمت المطبق في الشارع المصري وداخل جدران الأحزاب السياسية، وأن ذلك لا يعني شيكا على بياض للاستمرار في تصورات لم تكن كلها على صواب.

*العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى