رأي في الحدث

أحمد الدواس : الاتفاق السعودي – الإيراني موقف شجاع للقيادة السياسية

قلنا في أكثر من مقالة إن ايران أضاعت فرصاً كثيرة، وأساءت لشعبها وتدخلت في الشؤون العربية، بينما كان بإمكانها الاستفادة من الدرس الدنماركي ـ السويدي، فقد دخلت الدنمارك في حروب كثيرة مع السويد بلغت نحو11 حرباً، واتخذت الحروب مُسميات مثل: حرب الدنمارك والسويد، حرب السنوات السبع، حرب كالمار، حرب تورستنسن، حرب سكانيان، حرب الشمال العظمى، حرب المسرح.
بمرور الوقت تبين للدنمارك فداحة الخسائر المادية والبشرية، وأن أسلوبها العسكري والسياسي كان خطأ، والأفضل المصالحة مع السويد، ورمي السلاح لكي يتحقق لمجتمعيهما التطور والحياة.
بالفعل فقد تغير البلدان الى الأفضل، بل أُلغيت كل القيود على حركة الأشخاص بين البلدين من دون وثيقة سفر أو هوية شخصية في إطار الاتحاد الأوروبي، فبعد تلك الحروب المُدمرة اقتنع البلدان إن العلاقات بين الدول لا تُبنى على فكرة أو مبدأ “أنا أربح وأنت تخسر”، إنما أن يؤخذ بالاعتبار مبدأ “أنا أربح وأنت تربح أيضاً”.
قياسا على هذا الدرس، ذكرنا ان من الأفضل لطهران ان تفتح صفحة جديدة في العلاقات مع البلدان العربية وغيرها، وتُشجع الاستثمارات الخليجية، والأوروبية والأميركية، لتطوير قطاعات السياحة والزراعة والصناعة، الأمر الذي يفتح أبواب العمل لملايين الإيرانيين، فيرتفع مستوى معيشتهم، وتتطور بلادهم بشكل كبير، وقد تنافس دولا أوروبية في مجال السياحة وجذب الأموال، فالقوة حاليا ليست القوة العسكرية، وإنما قوة الاقتصاد، بدليل تقدم كوريا الجنوبية وتخلف كوريا الشمالية، ولطالما كررت هذا القول مراراً لأهميته.
لكن ايران اختارت أسلوب العصور الوسطى فتخلفت، وتدخلت في الشؤون العربية ما أدى الى تدمير ثلاثة بلدان عربية، ومات الكثيرون، أو فقدوا ممتلكاتهم، فطال أمد الصراع، ولا تفكر إيران بالتفاوض السياسي، فالدرس الدنماركي ــ السويدي مهم للغاية لإيران بالذات، فلتفعل مثلما فعلت الدنمارك والسويد.
بالفعل فتحت إيران صفحة جديدة في العلاقات مع السعودية، أو بالأحرى فتح البلدان صفحة جديدة، برعاية الصين، فإيران تشبه الدنمارك في مثالنا السابق، فبالأمس أعادت ايران علاقاتها الديبلوماسية مع السعودية، وساد شعور بالارتياح في دول الخليج من هذه الخطوة، وحظي الخبر بتأييد عربي وعالمي.
لتقرأ إيران دروس التاريخ، فدول أوروبا كانت تتقاتل بينها طوال مئات السنين، لكنها وجدت أنها كانت مخطئة، وبعد الحروب شكلت “السوق الأوروبية المشتركة”، وتحول هذا التجمع الى “الاتحاد الأوروبي”، فنهضت وعاشت شعوبها بأمان ورخاء.
ما نقوله ليس لغة الضعيف، إنما لغة العاقل، والله يمنعنا من قتل النفس وسفك الدماء، ان وضعنا الحالي فيه هلاك للحرث والنسل، وهدر للأموال الضخمة من الجانبين العربي والإيراني، وشحن الصدور بلغة الكراهية المذهبية مع ضياع مستقبل أوطاننا وأولادنا.
الدول العربية دول مسالمة لطالما تمنت الخير لجميع الأمم، ففي مايو 2021 دعا ولي العهد السعودي إيران الى طي الخلافات وبدء صفحة جديدة في العلاقات.
انه موقف شجاع في القيادة السياسية، بدلا من إراقة الدماء وشحن نفوس شعوب المنطقة بلغة الكراهية ضد بعضها بعضا وهدر مواردها المالية.
ولنتساءل: أيهما أفضل تشجيع الاستثمارات الخليجية في ايران، البلد الإسلامي، ليعم السلام والخيرالجميع، أم هدرالأموال الضخمة في صراعاتٍ لكلا الجانبين، العربي والإيراني، وشحن الصدور بلغة الكراهية المذهبية، مع ضياع مستقبل أوطاننا وأولادنا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى