عدنان قاقون : قراءة سريعة في الاتفاق السعودي – الإيراني
الاجواء الايجابية التي عمت المنطقة بعد اعلان توقيع الاتفاق السعودي- الايراني تعكس تعطش شعوب المنطقة للاستقرار والتنمية، فما عاد للغة التصعيد والوعيد وتصدير الثورات معبرا الى قناعات الشباب في اي بقعة بالعالم، وقد اعطت الحرب الروسية- الاوكرانية درسا جديدا للبشرية عن ان العنف لا يمكن ان يؤدي الا الى سفك الدماء وتخزين الاحقاد وافراغ الخزائن.
ومرة اخرى تثبت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد، رجل العصر، الامير محمد بن سلمان انها ميزان المواقف الستراتيجية في المنطقة، واحد ابرز محاور الحراك الديبلوماسي في العالم.
بحكمة وحنكة استطاعت الرياض اعادة تدوير زوايا التأثير العالمي، ليس في المنطقة فقط، انما في العالم، فارخت قبضة واشنطن واعادتها الى حجمها الذي تستحق بعد عقود من تحويل المنطقة الى حقول تجارب، كما عملت على تعبيد الطريق امام التنين الصيني كي يتعاظم دور بكين بشكل مدروس، وعلى قاعدة الند للند، ومن هنا يمكن القول ان الدور الاميركي لم يتراجع انما عاد الى حجمه الطبيعي وفقا للاسس والمعاهدات الستراتيجية بين واشنطن ودول المنطقة.
في مقالة سابقة اشرت الى ان الحرب الروسية- الاوكرانية قد تعيد تشكيل هيكل القوة في العالم، فالنظام العالمي الذي ارسى بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد يصلح اليوم، وميزان القوى لم يعد في مراكز قرار دول الـ”فيتو” فقط، ومن هنا يمكن لنا ان نطرح تساؤلا:هل تعاظم الدور الصيني في الشرق الاوسط واحدا من افرازات الحرب الروسية- الاوكرانية؟
ان قراءة سريعة للاتفاق السعودي- الايراني تظهر حقائق عدة وتسبر ايضا محطات عدة.
•رغم تشكيك واشنطن المبطن بصمود الاتفاق، الا ان هذا الاتفاق لم يظهر الا بعد اشهر من المحادثات المباشرة بين الطرفين في العراق وسلطنة عمان واخيرا في بكين، فالاتفاق خرج الى النور بعد اعداد جيد وحمل معه مقومات الاستمرار القائمة على قناعة بان التعاون هو السبيل الانجع لتجاوز التحديات.
•سينعكس التقارب السعودي- الايراني على الاوضاع في اليمن بكل تأكيد، وثمة حديث في الكواليس حول السعي الى عقد مصالحة يمنية- يمنية شاملة وفق خطة زمنية معينة، تترافق مع ما يمكن وصفه بـ”مارشال اقليمي” لدعم اليمن اقتصاديا، ولا تستبعد اوساط خليجية هنا من ان تستغل جهات محدودة التأثير في اليمن نفوذها لتعكير صفو التفاهم السعودي – الايراني، وتستغل اسطولها الاعلامي لتعظيم احداث مدفوعة الثمن.
•اصبحت الامور سالكة حاليا لحسم ملف “الجرف القاري” الحدود البحرية المشتركة بين الكويت والسعودية وايران بعد ان كان مادة خلافية ذات ابعاد امنية واقتصادية مؤثرة على الدول الثلاث، وقد كان لافتا اعلان ايران قبل نحو اسبوع استعدادها لبدء محادثات حول هذا الملف.
•شرع الاتفاق السعودي الايراني الابواب على مصرعيها امام دمشق كي تعود الى الحضن العربي مع المحافظة على علاقاتها المميزة مع طهران، فلم تعد دمشق امام فكي كماشة التناقضات الاقليمية، والانظار حاليا على القمة العربية المزمع انعقادها في الرياض، فهل سيبقى المقعد السوري شاغرا؟
• لقد اعاد الاتفاق بغداد الى دورها الحيوي، وتحول العراق من ساحة لتصفية الصراعات الى ارض تحتضن المصالحات، وما ورد في تفاصيل الاتفاق حول تعاون سعودي – ايراني في مجالات الاستثمار والاقتصاد لا بد ان تروي فوائده بلاد الرافدين ومحيطها.