جعفـرعبــاس : الرجل الذي جنن الجن
كان أحد أبناء ديار عدنان وقحطان، المنتشرين في المهاجر بعد أن ضاقت بهم مواطن الأجداد، يجلس قرب شاطئ البحر في موطنه الجديد اليونان، وهو يندب حظه الذي رماه في البلد الأوربي الوحيد، الذي ينتمي اقتصاديا إلى العالم الثالث، متسائلا: هل أنا يا بحر منكا/ أصحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟ هل كنا بالفعل ذات يوم سادة البحار والبراري، يقودنا البواسل الضواري أم ان المسألة كلها «إخرطي»؟ وحتى لو كان ذلك صحيحا فلماذا صار الحال يغني عن السؤال؟
ثم رأى جرة محكمة السداد، قذفت بها الأمواج إلى الشاطئ فداعبت الآمال خاطره: ياما أنت كريم يا رب، ربما أجد بداخلها فسيخاً معتقاً أو مهياوه أو مخللا، أجد فيه طعم الوطن، وربما أجد تشكيلة من المعادن الثمينة والأحجار غير البخيلة، وتلفت يمنة ويسرة وتأكد له خلو الشاطئ من البشر، فاطمأن قلبه وفتح الجرة بيد مرتعشة وقلب مترقب، وخاصة أنه وجدها ثقيلة الوزن، فتسرب منها دخان خفيف ثم تشكل الدخان على هيئة كائن حي فإذا به جني يعاني من سوء التغذية والهزال. ترنح الجني قليلاً ثم شكر صاحبنا العربي قائلاً إنه ظل رهن الاعتقال التحفظي في انتظار تقديمه للمحاكمة طوال 2345 سنة بعد أن اتهمه زعيم الجن بضعف الولاء لثوابت الأمة الجنية، وظل طوال فترة الاعتقال محروماً من الطعام الجيد والرعاية الصحية ثم اختتم الجني حديثه بأن توسل إلى الرجل أن يأتيه بسندويتش فول وفلافل، وآخر شاورما. هنا لطم صاحبنا المسكين خده وصاح: أي تعاسة هذه؟ وعلى رأي المصريين «جات الحزينة تفرح ما لقتلهاش مطرح».. غيري يخرج جنياً من القمم فيعطيه حق تمني ثلاثة أشياء، كما يشاء، بينما أحرر أنا جنياً فإذا به كحيان ومن مستحقي الزكاة ومن فرط خيبته لا يشتهي سوى الفول والفلافل والشاورما. الله يفلفلك ويشورمك.. حتى الجرة خسارة فيك.
لمح الجني الإحساس بالخيبة لدى صاحبنا، فقال له: لا تحزن يا من أنقذني من الحبس، فعلى هزالي وبؤس حالي فإنني ملتزم بقواعد الجن في رد الجميل لمن يحررونهم، ولكنني غلبان وصلاحياتي محدودة، ولن أستطيع أن أُلبي لك سوى أمنية واحدة ومن ثم عليك أن تفكر جيداً لتطلب ما تشتهيه نفسك. فما كان من فتى يعرب إلا أن انطلق إلى مطعم مجاور واشترى سندويتشين فول ومثلهما فلافل وثلاثة شاورما، فمنحه صاحب المطعم بعض المخلل كـ«بونص» أي منحة بلا مقابل. ولكن صاحبنا رأى أن تقديم المخلل للجني الهزيل قد يفتح شهيته فيطلب المزيد من الطعام، وربما يطلب سوشي أو كافيار، أو صنفا من الطعام لم يره هو إلا على الشاشات، فشكر صاحب المطعم وأعاد إليه المخلل وتوجه إلى شاطئ البحر حيث قدم السندويتشات إلى الجني الذي التهم السبعة في لقمة واحدة، ثم تجشأ كما يفعل كل من يأكل الفول المشهود له بتوليد غاز السيانيد السام في الرئتين ما يعرض مدمني الفول للسكتة الدماغية. بعد ذلك انفجرت أسارير الجني وقال لصاحبه: يللا لك أمنية واحدة أحققها لك.
فكر العربي وقدر ثم قال: والله هاي فرصة أفتك من اليونان، وأمنيتي الآن أن أعيش في مدينة نيويورك، ولكن بالنظر إلى خوفي من ركوب الطائرات، فإنني أريد منك أن ترصف لي شارعا من اليونان إلى نيويورك. انتفض الجني حتى تحول إلى مارد: اسمع يا حمار، أعطيك فرصة لتحقق حلم حياتك فتطلب مني أن أزور جميع مصانع الأسمنت والحديد في العالم لأوفر المواد اللازمة لطريقك عديم الجدوى هذا؟ قاطعه العربي: أوكي مستر جني، لن أكون أنانيا في طلبي، فقط أرجو مساعدة العرب على تحرير فلسطين. صمت الجني برهة وسأله: تريد طريق نيويورك باتجاهين أم اتجاه واحد.