أحمد الجارالله : الرعونة أعيت مَنْ يُداويها يا سمو الأمير الكويت بين ناريْن… اعقلها وتوكل
الكويتيون بين ناريْن، حكومة تتخبَّط، ولا تعرف كيف تُداوي الجراح التي تسبَّبت بها للبلاد، ومجلس أمة لا يحلُّ مشكلة ويرفض تقديم الحل، فيما المواطن يرزح تحت أعباء كبيرة، وتتقاذفه الهواجس حيال مصيره، مالياً ومعيشياً، ولذلك لم يبقَ أمام الجميع إلا ولي الأمر يتوجهون إليه كي يخرجهم من نفق أزمة يبدو أنها ستطول مادامت السلطة التنفيذية كل ما “تبغي تكحلها عمتها”، وقرينتها التشريعية ترفض إقرار قانون الدَّيْن العام، ولا توافق على السحب من صندوق الأجيال القادمة، ولا قدمت أي مقترحات تنقذ البلاد، بل تزيد من تصعيد الأزمات وكأنها تدفع الناس إلى هاوية لا قرار لها.
فإذا كانت أصغر المشكلات المُتعلِّقة بمكافحة جائحة “كورونا” كشفت عن تخبُّط كبير لا يقع فيه إلا من لا يفقه ألف باء الإدارة، فالمسؤولون عن الشأن الصحي تركوا كلَّ الإجراءات المساعدة على الحد من انتشار المرض وتفرَّغوا لحل قضية أصحاب الفنادق، من خلال قرارهم حَجْر الكويتي في فندق بدلاً من منزله، وهذا الإجراء يناقض الدستور، إذا كانوا يعلمون.
في المقابل الحكومة تمضي في طريق العناد، في ما يتعلق بالقضية المالية، ولجأت إلى إرسال اقتراح قانون للسحب من صندوق الأجيال القادمة إلى مجلس الأمة، المُعلَّق انعقاده موقتاً وفقاً للمادة 106 من الدستور.
أيُّ تخبُّط هذا؟ هل يُمكن لغير القادر على حسم أمر بسيط، مثل فرض الإجراءات الاحترازية لمواجهة “كورونا”، أن يكون قادراً على حلِّ قضية حسّاسة كالوضع المالي الذي ساهمت الحكومة منذ بداية الجائحة بزيادة أزمته حين لم تعمل وفقاً لما سارت عليه كلُّ الدول لمُواجهتها، بل كانت مرة تتحجج برفض مجلس الأمة لقانون الدين العام، أو تضع خطط تحفيز ما أنزل الله بها من سلطان، ومرة أخرى ترضخ لما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي، فهل هكذا تدار الدولة؟
منذ سنة والجميع يتحدث عن ضرورة الاستفادة من الفرصة، ولو استدعى الأمر صدور سلسلة قوانين بمراسيم ضرورة، وتوظيف الاستثمارات في شراء أسهم شركات ومحافظ عقارية وغيرها من الأسواق العالمية، ولا نقول الكويتية، كي لا يخرج علينا من يقول إنكم تريدون بيع أسهمكم في سوق الكويت المالية، وهو كلام العاجزين الذين لا يُريدون للبلاد الخروج من مأزق مالي، إذا تمعنّا في تبعاته السلبية، لوجدنا أنه أكبر من كارثة الغزو العراقي.
في الوقت نفسه، لاتزال كبريات مؤسسات التصنيف العالمية تنبه، في تقاريرها، من خطأ المعالجة الحكومية للوضع المالي، وتنصح بتغيير الأسلوب، لكن الحكومة “عمك أصمخ”، والبنك المركزي يبدو أنه “غسل يده” من المشلكة واختار السلامة بالصمت، إما لأنه غير قادر على الوصول إلى حل، وإما لأن الإرباك الذي تعاني منه السلطة التنفيذية أصابه بالعدوى.
إلى ذلك لم تترك الصحافة مناسبة إلا وقرعت أجراس الإنذار، وكذلك كبار المصرفيين في البلاد، والخبراء الذين لا مصلحة لهم إلا المحافظة على قوة الكويت المالية والاقتصادية، لكن يبدو أن رئيس مجلس الوزراء لا يُريد سماع كلام الحق الذي يُراد به حق.
صحيح، نظرياً، أن من حق الحكومة الاقتراض من صندوق الأجيال، لأن القرش الأبيض لليوم الأسود، لكن قبل اللجوء إلى هذا الإجراء الجراحي الموجع لديها الكثير من البدائل التي لاتزال مُتاحة، فيما بات واضحاً أنها غير قادرة على الحسم بسبب فقدانها الرؤية، بينما نواب مجلس الأمة كل يغني على ليلاه، ولا يعنيهم أمر البلاد والعباد، وهذا أعلى درجات الضعف واللامبالاة، بل انعدام المسؤولية الوطنية.
وسط هذه الفوضى الضاربة ليس للكويتيين سوى التوجه إلى ولي الأمر، الذي هو أبو الدستور، رئيس كل السلطات، كي يرفعوا الأمر إليه، فالبحر هائج، والسفينة تتقاذفها أمواج العجز، واستمرار قلة التدبير الذي تُبديه الحكومة يُنذر بأمر عظيم.
أمام هذه الصورة القاتمة التي أوصلتنا إليها السُّلطتان، التشريعية والتنفيذية، يتطلع الكويتيون إليكم يا صاحب السمو كي تُخرجوهم من التخبُّط، بأوامر أميرية حازمة، تحفظ خير البلد وتوقف كرة ثلج الأزمة التي تكبر كلَّ يوم، فالناس لا تريد إلا أن تكون أوطانُها مُزدهرة، ويتمتع المواطن بحياة كريمة، لا أن يُغرقها عجزُ المؤسسات في متاهة اللا قرار.
لقد استبدَّ بنا اليأسُ من التوجه إلى الحكومة مرة، وأخرى إلى مجلس الأمة، كي يأتيا إلى كلمة سواء ويُرجِّحا لغة العقل على العناد، ويوقفا لعبة التسويف، فالكويت أكبر من رئيس مجلس وزراء أو وزير أو نائب، ومصيرها ليس لعبة “تفحيط” أرعن في سكيك.
اعقلها يا صاحب السمو بسلسلة مراسيم ضرورة إنقاذية، فالسائرون في غيِّهم سيمضون إلى ما لا نهاية، والرعونة أعيت من يُداويها، فنحن قومٌ كَثُرَ جدلُهم، وقَلَّ عملُهم، وباتوا بحاجة إلى قرار حازم.