رأي في الحدث

أحمد الجارالله : إلى الشعب الكويتي… ما وضع البلاد دون الأسرة الحاكمة؟

بعد النُّطق السّامي الَّذي أدلى به سمو نائب الأمير، ولي العهد، واللغة المُتفائلة، والتوجيهات للسُّلطتين، وبعد انتخاب رئيس مجلس الأمة بالتزكية، وخطاب سمو رئيس مجلس الوزارء، ومده يده للتعاون مع مجلس الأمة، دعونا نتحدث عن بيت الحكم، والمسار الذي ينتظره الكويتيون.
لا شكَّ أنَّ مشاركة الشيخ أحمد الفهد والشيخ فراس المالك بمجلس الوزراء الجديد، هي بداية تعطل الألغام التي زرعت في مسيرة العمل الحكومي منذ سنوات، وتزيد من هيبة وقوة بيت الحكم في حضوره على المستوى العام، فالمعروف عن تلك البيوتات أنها تكون مُتماسكة، وليس لديها خلافاتٌ بين أفرادها أو مع الناس، ولا لها خصومات أيضاً.
صحيحٌ أن الشيخ أحمد الفهد له خصومات، لكن في المقابل له مُؤيدوه، وله حضوره في الشأن العام، وعندما تُطوى صفحة فذلك يعني الانطلاق نحو عمل مُستقر في بيت الحكم، لكن السؤال يبقى: لماذا كانت هذه الخصومات؟ ولماذا هناك اتهامات لشيوخ في ما يتعلق بالرِّشى والفساد؟
أولاً: لا بد من التأكيد أن الأسر الملكية أو الأميرية، تكون بعيدة عن الواجهة التجارية أو غيرها من أعمال العامة؛ لأنَّ الهدف الإبقاء عليها بعيدة عن الاحتكاك السلبي المباشر مع الناس، لهذا تكون لها مدارسُها الخاصة، التي تهتمُّ بتعليم أفرادها حتى الجيل السابع من الملوك المُحتملين.
هكذا الحال في النرويج والسويد وبلجيكا، والإمارات وقطر والسعودية، وسلطنة عمان والبحرين، وغيرها الكثير، مما لا تحضرني الذاكرة لتعدادها، ولهذا تخصص لهم الأموال الكافية؛ كي لا يحتاج أي منهم إلى مزاحمة الناس في أعمالها، وهو مؤشر لم تعتد عليه الكويت؛ لأن العلة أساساً في عدم إيفاء هؤلاء الأفراد حقهم، إذ حين تكون ميزانية الديوان الأميري -الذي يهتم بأفراد الأسرة الحاكمة- 50 مليون دينار، فإن الحاجة تدفع هؤلاء الشيوخ إلى العمل؛ لأنهم تحت أنظار الناس هم النخبة، ولهم وجاهة لا يمكن الخروج عنها.
من الطبيعي أن لتلك البيوتات أسرارها وطقوسها التي لا يُمكن الخروج عليها، وبالتالي فإن المحافظة على هيبتها مهمة لا يُمكن الاستخفافُ بها، وهذا ما اعتادت عليه الإمارات في بيوت الحكم فيها، وكذلك الدول الملكية الأخرى.
في المقابل، إنَّ أول ما يُهدد أي دولة هو المس بالأسرة الحاكمة، ففي السعودية مثلاً، كانت الدولة على شفير الإفلاس، ومَرَّ زمن كانت فيه محاولات حثيثة لإشاعة الفساد فيها من خلال أمراء لم يُدركوا المخاطر المُترتبة على تدخلهم في الشؤون الخاصة للناس، بل حيكت المؤامرات الخارجية لتقسيم المملكة، وهذا لم يعد سراً، إلا أنَّ كلَّ ذلك أحبط بانتفاضة الإصلاح التي قادها الملك سلمان وتوجيهاته لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي تميَّز بالحزم والصرامة في التنفيذ، وكانت عملية “ريتز الرياض” ضربة ليس للفاسدين من العامة، بل للأمراء الذين توهموا أنهم خارج دائرة المحاسبة، كما أنها إشارة للخارج إلى أن المملكة، هذه القارة، قادرة على الحفاظ على استقرارها، ومنع أي تهديد لها من الداخل أو الخارج، وكذلك الإمارات التي لم نعد نسمع عن أي تَعَدٍّ من أفراد أسر الحكم فيها على الناس، أو الشأن العام، أو الأموال العامة؛ لأن الدولة أكرمتهم، ولم يعودوا بحاجة.
كلُّ هذه البيوتات لم نسمع عن فساد فيها، ولا دعاوى مرفوعة ومحاكمات لأعضائها؛ لأنَّ السَّبب يكمن في المحافظة على هيبتها، وذلك لا يتمُّ إلا عبر الاكتفاء الذاتي؛ كي يتفرغ أبناء الأسر إلى العمل العام الخيري، والعلاقات الطيبة مع المواطنين.
لا شكَّ أن تجارب عربية مثلت درساً قاسياً للمُحافظة على استقرار بيوت الحكم بوصفها بوصلة استقرار الدولة، فمصر بعد الملكية عانت الكثير، والعراق شهد حمامات دم، بل ربما لايزال يدفع الثمن إلى اليوم، وكذلك ليبيا بعد السنوسي، واليمن بعد النظام الإمامي الملكي، وتونس أيام حكم الباي أفضل كثيراً من اليوم.
هنا لا بدَّ من التأكيد على أن أفراد بيوت الحكم رموز لا بد من أن تُعطى حقها، وتمنح العناية الكاملة؛ لأنَّ أيَّ خطر عليها هو تهديد للدولة ككل، لذلك اليوم وبعد هذا التطور الجديد، وجمع الشمل، إذا صَحَّ التعبير، لا بدَّ من إعادة النظر بالمرحلة الماضية، والتجارب المريرة التي تركتها والتعلم منها؛ لأنَّ أيَّ خلل لن يكون المسؤول عنه ما تنشره الصحافة، ولا يوجه اللوم إلى النواب، أو حتى الوزراء، رغم مسؤوليتهم، إنما يوجه إلى الحكم والأسرة الحاكمة؛ لأنه لابد أن يعمل بالقاعدة الذهبية وهي: “إذا قال فعل”، فهو واجهةٌ للدولة والمعني بالمُحافظة عليها.
يبقى القول: إنَّ السُّؤال الذي يشغل الكثير من الكويتيين هو: هل يكون عهد صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد، وولي عهده نائب الأمير الشيخ مشعل الأحمد، إعادة تطوير لدور الأسرة الحاكمة، يُعيد الهيبة إلى أسرة الحكم، وترتيب علاقتها بالوطن، وتكون لها طقوسها لإعداد جيل لديه القدرات في ممارسة الحكم، والمواجهة، وإدارة الوزارات السيادية، وتكون صورتها جيدة في الحكم؟ وبالطبع هذا ليس كثيراً، وكلُّ شيءٍ ممكنٌ إذا كانت هناك رغبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى