رأي في الحدث

عبدالله بشارة : السحر السياسي.. في فضاء الخليج

نتابع ما ينشره المحللون حول السحر السياسي في الخليج ومقاصده في خلق تبدلات غير مسبوقة تمس الخريطة السياسية التي تستهدي بها دول الخليج في علاقاتها مع العالم الخارجي، خاصة في تواصلها مع الولايات المتحدة التي لم تكن مرتاحة من مسار الدبلوماسية النفطية الخليجية، وتأثرت كثيراً لغياب الانسجام في المواقف حول النفط، مع تجاهل الدبلوماسية النفطية الخليجية لاسقاطات الحرب الروسية – الأوكرانية، فقد رفضت دول الخليج زيادة الانتاج وخفضت الكمية التي تتوقعها الدول الغربية، مما أدى إلى زيادة الأسعار.

جاءت هذه الأحداث في بداية العام الماضي، وخرجت منها ديناميكية في تنشيط التواصل الدبلوماسي، وتحركت دول صديقة لمتابعة ما يدور في الخليج دون أن تكون طرفاً فيه، لكنها تدرك أهمية الدور الخليجي في الاستقرار السياسي والاقتصادي العالمي.

جاءت الصين تتأبط ملف العلاقات السعودية مع إيران، ونجحت الصين مستندة على الثقافة الصينية المتوارثة، في تحقيق التوافق بين الطرفين، وخلق هذا التلاقي السعودي – الإيراني تحركاً أثر في المنطقة بكل أجزائها وبجميع تناقضاتها، ونقلها إلى فصل مختلف عما تركته الثورة الإيرانية في عام 1979، فذهب وزير الخارجية السعودي إلى طهران مطوقاً بحرارة استقبال، معبراً عن تقدير إيراني لتضخم الدور السعودي إقليميا وعالمياً، كما افتتحت إيران سفارتها في الرياض، وفجأة تتبدل المشاعر نحو تفاؤل مستقبلي يبشر بالاطمئنان، ليس في الخليج فقط وإنما في اليمن الجريح، وفي العراق المشتاق للهدوء، وفي لبنان المقيد بأثقال حزب الله، ولدى المنظمات الفلسطينية المتعطشة لآمال دولة فلسطين، وسوريا المتجزئة والمنقسمة بسبب حروبها الداخلية فهي عضيد إيران إقليمياً وعالمياً، وتتحرك سلطنة عمان وسيطاً هادئاً ومتميزاً بسعة الصدر وبالتفاؤل المتدفق ومؤمناً بحوارات بين واشنطن وطهران حول الأسرى وحول البرنامج النووي الإيراني، وفوق ذلك حول السلوك الإيراني الغليظ والسلبي.

ومن هذه المستجدات، تستضيف المملكة العربية السعودية القمم بين الخليج والصين، وقمة عربية جامعة مع الصين، وترتيب المملكة لقاء عالمياً حول الإرهاب، وتجمع أكثر من أربعين دولة للخروج بتصورات لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية.

وتخرج المملكة من هذه التطورات حاملة مسؤوليات سياسية واقتصادية وإنسانية، تزينها تباشير النجاح، ومع هذا الملف الثقيل ستبقى المملكة منشغلة ليس بما يهمها فقط، وإنما بملفات الآخرين خليجياً وعربياً وعالمياً، ومن أبرز الملفات المعقدة التي ستفتح من ضمن جدول الأعمال الثقيل الذي ينتظرها، يأتي الملف الفلسطيني الذي يتخوف أصحابه من إغلاق أبواب الأمل في حل مقبول، لا سيما أن الولايات المتحدة تسعى الآن، كما يتردد في ممرات واشنطن السياسية، إلى إكمال اتفاقيات إبراهيم حول السلام في المنطقة، وتنسق مع الجانب الإسرائيلي الذي يردد بأن ملف السلام الكامل مع العرب يظل غائباً ما دامت المملكة ليست من بين أعضائه ورافضة الانخراط فيه.

ونتابع المستجدات حول جهود واشنطن بإرسال سلسلة من المبعوثين إلى المنطقة، كان من بينهم وزير الخارجية الأميركي الذي جاء في يونيو الماضي، كما زار المملكة مستشار الأمن القومي الأميركي في الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى عدد من الدبلوماسيين الذين يترددون على الرياض، ورجال أعمال لهم تواصل مع المسؤولين السعوديين، ورغم وضوح السياسة السعودية حول قضية فلسطين وموجزها لا صفقة سلام دون دولة فلسطينية تجسد حلم الشعب الفلسطيني، ورغم علم الجانب الأميركي بأن الوضع السياسي في إسرائيل لا يبشر بخير حول الحلم الفلسطيني، وأن التراب الفلسطيني يتقلص ببناء مستوطنات، لكن القيادة الأميركية في واشنطن تردد بأنها لا تستطيع توفير مفاتيح حل يقنع الجانب العربي أو يغري المشككين العرب بالالتحاق بموكب الاتفاقيات الإبراهيمية.

والواضح أن حلم الولايات المتحدة في تحقيق تقبل عربي للانضمام إلى ملف هذه الاتفاقيات سيمكن الرئيس بايدن من الاستمرار رئيساً للولايات المتحدة، كما يتصور بأن سلاماً ممكناً بين المملكة وإسرائيل في إطار الإبراهيميات سيضمن له مفاتيح الفوز.

ومن المؤكد بأن دبلوماسية الكويت على علم بما يتمناه الرئيس الأميركي وعلى اطلاع بالمساعي التي يقوم بها المبعوثون الأميركيون، ليس فقط مع المملكة وإنما مع دول الخليج الأخرى، وعلى معرفة بالصلابة السعودية، وتواصل الكويت متابعتها لملفات المنطقة متأثرة بالموقف الذي تقرره المملكة العربية السعودية، فأهم دور للدبلوماسية الكويتية حول الاتفاقيات الإبراهيمية هو اكتمال خيوط التنسيق مع المملكة العربية السعودية وتحقيق الانسجام التام في المواقف.

ونتذكر بأن الرئيس السابق ترامب هو الذي دشن الاتفاقيات وحرص على أن يحملها زوج ابنته إلى منطقة الخليج مدافعاً عنها وناصحاً بفوائدها، ونجح في بعض خطواته، لكنها فقدت سحرها عندما أصرت المملكة على قيام دولة فلسطينية، فبدون هذا الحلم الفلسطيني لن تتمتع المنطقة بالأمن والاستقرار.

ومن المؤكد بأن دبلوماسية الكويت على علم بمساعي الرئيس الأميركي وعلى اطلاع على معاني الاتصالات التي يقوم بها المبعوثون الأميركيون، وعلى معرفة بالصلابة السعودية، وهكذا تستمر مواقف الكويت ملتزمة بالتفاهم وبالأهداف التي تسعى لها جهود المملكة العربية السعودية.

فأهم دور للدبلوماسية الكويتية في هذا الفصل، يتمثل في التنسيق مع الرياض لتأكيد وضوح المواقف وتناغم التفاهم، فتكسب الكويت كثيراً عندما تربط عملية السلام بولادة دولة فلسطينية، فعلى من يريد أن يضيف شيئاً لتقريب موقفها من الاتفاقيات الإبراهيمية، عليه أن يأتي بدولة فلسطينية وفق القرارات الدولية، وما يهمني في هذا الإطار أن يخرج الوضع الكويتي تجاه القضية من صلابة الجفاف والتصحر ويرطبه بالإصرار على قيام دولة فلسطينية وفق قرارات الأمم المتحدة.

بهذا الوضوح نبعد شبهة الجمود في المواقف الكويتية ونؤكد على الرغبة في الوصول إلى الحصاد المرغوب.

أعود متلمساً الفضاء العالمي الواسع الذي تتحرك فيه المملكة وتتحمل من خلاله مسؤوليات غير مسبوقة تجاه ملفات معقدة في الإقليم العربي وفي خارجه وتتعامل معها بحس المسؤول والمؤتمن، وتبحر إلى أبعد مدى في حمل الأمانة والوصول إلى الغايات المطلوبة.

كنت من المتابعين لدبلوماسية المملكة النفطية منذ عام 1973 الذي خرجت منه المقاطعة بوقف تصدير الطاقة إلى الولايات المتحدة.

كانت الرياض تتعامل مع ملف الطاقة بمسؤولية فيها حساسية عاطفية تجاه الأسرة العالمية، واعية لضيق فقراء العالم من تصاعد أسعار النفط، وتستمر بالوفاء بحاجة العالم من الطاقة إيماناً منها بأن الطاقة سلعة نادرة، من دونها يتضرر العالم في حياته وتنهار فيه آليات الحياة السليمة.

التزمت المملكة في تعاملها مع الطاقة بضرورات التفهم، لما يصيب العالم عند نقص الطاقة فتبنت نهج الوفاء حرصاً على سلامة الحياة كما نعرفها الآن، واضعة أولوياتها تأمين اعتيادية الحياة للجميع، بهذه الصفات وبخبرة متواصلة في التعامل مع الأزمات، وبسخاء دائم الحضور، تشارك المملكة الآن بتحمل أثقال دور عالمي استثنائي لتذويب الأزمات التي تهدد العالم مع تحمل تكاليفها من دون ضجر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى