محمد الساعد : كيف نثق في أمريكا وإعلامها بعد اليوم؟!
في 20 يوليو 1969 أعلن الإعلام الأمريكي نجاح مركبة «أبولو 11» في أول مهمة فضائية مأهولة بالبشر تهبط على سطح القمر. القصة في حد ذاتها مدهشة، وفي الوقت نفسه يصعب تصديقها، لكن سطوة الإعلام الأمريكي وحجم الإغراق والمساحة الضوئية بينه وبين أقرب منافسيه دفعت الكثير للتصديق.
تبعت تلك الرحلة 6 حالات هبوط مأهولة نفذتها الولايات المتحدة – حسب زعم إعلامها – (بين 1969 و1972)؟ الغريب أنه لم تصل أي مركبة أخرى إلى سطح القمر من العام 1972 حتى اليوم بالرغم من التقدم التكنولوجي الهائل في تقنيات الفضاء وكأن القمر غيّر مكانه.
لم تمر تلك القصة مرورا عاديا فقد صاحبها الكثير من الشكوك بل إن هوليوود نفسها أنتجت العديد من الأفلام والوثائقيات التي تشير إلى أن القصة كلها مفبركة وغير حقيقية ويمكن وضعها في سياق التنافس الحاد بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي حينها والإهانة الكبرى التي شعرت بها واشنطن بعد إعلان السوفييت أنهم أرسلوا صاروخا ومركبة هبطت على سطح القمر.
استمر الإعلام الأمريكي الموجه من الحكومة أو من مراكز القرار واللوبيات في واشنطن في صناعة «الوهم الأمريكي» الذي تحول إلى كذبة «الحلم الأمريكي». كان ذلك هدف الإعلام في الخمسينات والستينات إلى وقت انهيار السوفييت العام 1991، وأصبحت الدعاية الأمريكية ترسخ لنمط الحياة الغربية لدرجة أن الهجرة إلى أمريكا أصبحت حلم كل شاب في أغلب دول العالم، وكانت قصص محاولات هروب دبلوماسيين سوفييت أو صينيين أو ألمان شرقيين على رأس نشرات أخبار التلفزيونات الغربية.
الدعاية الأمريكية قلبت الحق باطلا والباطل حقا، حتى سقطت موسكو وانهار جدار برلين وذهبت بكين باتجاه الاقتصاد الليبرالي، والإعلام الغربي قدّم نفسه على أنه مصدر الحقيقة ومنبع المصداقية ومثال النزاهة والحيادية.. فهل كان ذلك حقيقيا، بالطبع لا.. كانت دعاية لا أكثر.
الانكشاف الحقيقي بدأ من تناول الإعلام الغربي مع كل القضايا بوجهين ومعايير مزدوجة، يرون تجاوزات وجرائم الغرب والدول والتنظيمات الحليفة لهم بعين الرضا، ويرون نفس الحوادث بل أقل ضخامة منها بعين السخط عند من لا يروق لهم، أو لا يخضع لمشيئتهم وأجندتهم.
حوادث عديدة تؤكد ذلك، فقتل ملايين البشر في هيروشيما ونجازاكي ومئات الآلاف في فيتنام وأفغانستان والعراق بالنووي والقنابل الحارقة واليورانيوم المنضب والقصف العشوائي لا تصنفه النيويورك تايمز ومنصات اليسار ودكاكين حقوق الإنسان الغربية جريمة حرب، لكنهم يرون رد السعودية -المقنن- على قصف الإرهابيين الحوثيين لمدنها جريمة.
إعلام أمريكا الذي ينتقد بشدة دولا تطبّق أحكام الإعدام على المجرمين يتناسى أن عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة قانونية، وتستخدم اليوم على نطاق واسع في 32 ولاية وحكومة اتحادية.
نفس كاتب المقالات في الواشنطن بوست الذي ينتقد السعوديين لأنهم يعاقبون أحد دعاة الإرهاب هو من كان يتهم الرياض عندما كان نفس الداعية يبث الكراهية ويدعم العمليات الانتحارية في العراق وسوريا ويموّل قتل وخطف الغربيين.
الإعلام الأمريكي الذي كان يرى احتجاجات الليبيين والمصريين مشروع حريات، هو من وصف المحتجين الأمريكيين على الانتخابات الأخيرة بالمجرمين والخارجين على القانون. كتاب اليسار ممن يتنادون لدعم فتاة متخابرة مع دولة أجنبية ضد بلادها هم أنفسهم الذين صمتوا في قضية جوليان أسانج الذي لاحقته حكومة بلادهم في كل دول العالم وحرمته من النوم أو العلاج خارج السفارة التي هرب إليها، لدرجة أنه أصبح أكثر الناشطين مطاردة في العالم، على الرغم من أنه صحفي فقط ولم يكن إرهابيا إيرانيا يقتل الأمريكان في شوارع بغداد.
نفس الدولة الأمريكية التي تضع ملايين الدولارات على رأس بن لادن والزرقاوي والظواهري، وطبعت صور أعضاء الحكومة العراقية السابقة على ورق البلوت وتطاردهم وتعتقلهم لا لشيء إلا لأنهم دافعوا عن بلادهم هي التي تخرج عبدالملك الحوثي ورفقاءه الإرهابيين قاتلي الأطفال وحارقي النساء من قوائم الإرهاب، وتطالب دول التحالف وعلى رأسها السعودية بالتعامل والتفاوض معه، وهذا ليس رأي حكومة واشنطن فقط بل ومن ورائها كل الآلة الإعلامية الغربية التي أضحت اليوم بلا مصداقية وليست مصدرا موثوقا للمعلومة والخبر والتحقيق والمقال.
من صوّر كذبا نزول الإنسان على سطح القمر على أنه حقيقة، يستطيع أن يصنع من أي قضية مزورة على أنها حقيقة ويخرج التقارير الملفقة والتهم الجاهزة..
إذن هل نستطيع أن نثق في هذا الإعلام الغربي الذي انكشف أمام الجميع، وأضحى إعلاما مزيفا يبني أخباره ويزور قصصه بناء على أجنداته وتمويلاته وتشابك علاقاته مع دول وتنظيمات ومخابرات عابرة، يشيطن من يريد ويحول المجرمين والمتخابرين لدعاة سلام. أنا لا أثق بهم، لقد أصبحت كل المنصات الإعلامية الغربية Fake News، فهل تثقون بهم بعد الآن؟!