أحمد الجارالله : فلسطين بحاجة إلى قيادة تحرير وليس متمصلحين
رغم كل المناشدات العربية، والفلسطينية، إلا أن الصوت الاسرائيلي لا يزال طاغياً في العالم، الذي أعلن العديد من قادته “حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها” جراء هجوم “كتائب القسام” على المستعمرات والقواعد العسكرية المتاخمة لقطاع غزة.
صحيح أن العدوان البربري الهمجي لا يمكن السكوت عنه، لكن في المقابل ماذا فعل قادة الفصائل الفلسطينية، والحكومات العربية والإسلامية، غير الإدانة والشجب؟
حتى المساعدات إلى سكان القطاع لا تزال ممنوعة من الوصول إليه، وفي المقابل، كل ما لدينا هو شتم وتخوين بعضنا بعضا، إذ يتضح مما ينشر في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المنغمسة في لعبة السب والتخوين، أن المطلوب من شعوب “مجلس التعاون” وحدها أن تهب للاستشهاد، فيما المستثمرون بالدم يكدسون ثرواتهم، سواء كانوا قادة فصائل أو دول، أو أحزاب تصدرت المشهد الإعلامي طوال سنوات، وصورت نفسها أنها قوة إقليمية، وهي على “استعداد لرمي الاسرائيليين في البحر”، لكن حين حانت ساعة الحقيقة اكتفت بالخطب الرنانة!
هذا الواقع العربي منذ سبعة عقود، ففيما قتل أكثر من مليون ومئة ألف نسمة، وتشرد نحو ستة ملايين فلسطيني في الشتات، إلا أن الفصائل والقادة لا يزالون يتوالدون يوميا، فمنذ العام 1917، شهدت الساحة الفلسطينية عشرات ممن تزعموا مقاومة دحر “مشروع بلفور”، وبعده تحرير الأراضي المحتلة، لكنهم كانوا، ولا يزالون، يوظفون القضية لمصالحهم الشخصية، وأيا كان الوضع حاليا، فهو نتيجة لمآلات تاريخية أسيء فيها فهم القضية، وهو ما أدى إلى إهدارها على مذابح المصالح الإقليمية والدولية.
لذا نسأل الفلسطينيين: ماذا ينتظرون من الشعوب العربية حين ترى أن قادة الفصائل تفرغوا لخدمة المصالح الإيرانية، إذ بعد أن كانت القضية استثمارا ليبياً، أيام القذافي، وصدام حسين وقبله عبدالكريم قاسم العراقيين، وسورية وغيرها، وقد مارسوا القتل والاغتيال والتفجير في الكويت والمملكة العربية السعودية، والإمارات، واليوم وقفوا إلى جانب جماعة الحوثي والميليشيات العراقية، و”حزب الشيطان” اللبناني في العدوان على السعودية، والإمارات والبحرين، تلبية لأوامر إيران؟
كل هذا جرى لأن قادة الفصائل الفلسطينية أساؤوا إلى قضيتهم، وقدموا مصالحهم الشخصية على مصلحة الملايين من شعبهم، وبكل وقاحة اليوم يطلبون المزيد، ليس لإنقاذ غزة، بل لاستثمار معاناة أهلها في سوق المزايدات البشعة.
لنقولها صريحة: ما كان لاسرائيل أن تسكت، ومعها العالم الغربي، على ما جرى في السابع من أكتوبر الماضي، وقبله منذ 17 عاما، وهذا يذكرنا بما فعلته الولايات المتحدة حين هجم الـ”كاميكاز” الياباني على ميناء “بيرل هاربر” في العام 1941.
إذ يومذاك كانت التقديرات اليابانية أن واشنطن، التي لم تدخل بعد الحرب، يمكن أن تشكل تهديدا مستقبلا، لهذا كان الهجوم الكبير، لكن الانتقام تأجل إلى حين امتلكت الولايات المتحدة السلاح النووي، لذا جاء الرد متأخرا أربع سنوات، فألقت قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناكازاكي، وأجبرت الامبراطور على إعلان الهزيمة عبر الإذاعة، واحتلت اليابان، ولم يحرك العالم ساكنا رغم مشاهد الدمار والقتلى بمئات الآلاف، لأنه رأى في ما أقدمت عليه “دفاعا عن النفس”.
أسرد هذا المثال للدلالة على أنه حين لا تكون في وضع تدرك رد الفعل على ما تنويه، يجب ألا تقدم على عمل مدمر كما جرى في “طوفان الأقصى”، لذا الآن لا ينفع البكاء على اللبن المسكوب، إنما المطلوب التعلم من الدروس، خصوصا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي أساء قادتها إليها أكثر من غيرهم، وأن يدركوا أن “دود الخل منه وفيه”.
يبقى القول، يجب أن تكون لفلسطين سلطة واحدة قادرة لديها القرار، من دون تدخلات تجار الدم قادة الفصائل المأجورين.
*السياسه