أحمد الجارالله: اصمتوا أيها الأشرار واقرأوا عبارة واجهة قصر السيف “لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك”
ثمة عبارة منقوشة على واجهة قصر السيف، وهي حكمة إذا تمعّن المرء بها: “لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك”، قيلت في عصر أحد خلفاء بني العباس، إلا أن لها دلالة كبيرة، ولهذا اختارها الشيخ سالم المبارك الصباح في العام 1917 لتُنقش على واجهة القصر.
مناسبة التذكير بهذا القول هو ما شهدته الكويت في الأيام الماضية من إشاعات بشأن ترتيب بيت الحكم، وكيف شطح من شطح إلى رسم سيناريوهات عدة، رغم أن ذلك ليس من اختصاصه، لأن ثمة قانونا واضحا في هذا الشأن لا يمكن الخروج عليه، كما أن هناك عقلاء في الكويت يدركون متى يتحركون، ولأن حكم الدول استمرارية، ولا يتوقف عند شخص ما، فهذه حال الدنيا، إذ لا بقاء لحي.
أذكر في العام 2005 ألمّت بالملك فهد، رحمه الله، نكسة صحية، يومها جمع إخوانه وطلب التنحي، لكنهم رفضوا، وأنيطت صلاحياته بولي بالعهد، آنذاك، الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وبقي ملكا حتى توفاه الله في الأول من أغسطس من ذلك العام.
أيضاً الشيخ زايد بن سلطان، حين ألمت به أيضا نكسة صحية، أُسندت صلاحياته إلى ولي عهده الشيخ خليفة، والأمر ذاته كان معه حين أصيب بعارض صحي، إذ أسندت الأمور إلى ولي عهده الشيخ محمد بن زايد، وأيضا في المملكة المتحدة كان المسار نفسه، وتولى الأمير تشارلز صلاحيات المملكة، ففي كل الممالك هناك صيغة متفق عليها لترتيب بيت الحكم، على قاعدة “مات الملك عاش الملك”، ومردها ألا فراغ في أعلى هرم السلطة.
في بعض الأحيان تطغى الدسائس والشائعات على الحقيقة، إذ تكون تلك مناسبة لدخول شياطين المصالح في تفاصيل الكلام، وهذا ما شهدته الدول. ففي الخلافة الأموية، سادت القلاقل جراء دخول أصحاب المصالح على خط الحكم عبر الأكاذيب، والأمر عينه في الخلافة العباسية، فيما الإمبراطورية العثمانية، والمؤامرات من أجل الوصول إلى سدة الحكم خير دليل على ما تسبّبت به من انهيار للدولة.
لماذا نعود إلى تلك الأحداث التاريخية؟ لأن ثمة من يحاول أن يجعل الكويت، عند كل منعطف، ساحة لتصفية حساباته الشخصية، حتى لو كان ذلك على حساب الدولة ككل، وفي هذا أتذكر حين ألمت وعكة صحية بالشيخ عبدالله السالم في مجلس الأمة في الستينيات من القرن الماضي، وأسعفه الدكتور أحمد الخطيب، حين أفاق من غيبوبته في منزله وجد الدكتور الخطيب إلى جانبه، فقال له بما معناه “إنك رجل كريم، وليس كما نقل لي عنك أنك تحاول الانقلاب على الحكم”.
يومذاك، كانت الكويت في بداية عهدها بالديمقراطية، وقد قيل الكثير من مؤامرات تُحاك فيها، لكن كلها لم تكن تمتّ إلى الحقيقة بصلة، ويومها تولى الشيخ صباح السالم بعض صلاحيات الأمير، واستمر الحكم، وبقيت الدولة.
الأمر ذاته حصل حين مرض الشيخ جابر الأحمد، فتولى الشيخ سعد العبدالله بعض صلاحياته، وحين مرض ولي العهد، آنذاك، فوضت الصلاحيات إلى الشيخ صباح الأحمد، بعد فصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء، وفي العام 2006 حين تعقّدت الأمور بعض الشيء، التقت نخبة من وجهاء الكويت عميد أسرة آل الصباح الشيخ سالم العلي، وكان من بينهم جاسم الصقر، ويوسف إبراهيم الغانم، وعبدالعزيز الشايع ويوسف النصف، وغيرهم، من أجل حل بعض المشكلات الشكلية، وجرى الاتفاق على مبايعة الشيخ صباح الأحمد، لأن المغفور له الشيخ سعد العبدالله لم يكن في وضع صحي يسمح له بممارسة دوره.
هنا لا بد من ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي أن قانون توارث الإمارة واضح، لا لبس فيه، كما أن التقاليد الكويتية ثابتة في مثل هذه الأمور، ووجهاء البلاد من أحرص الناس على استقرار الدولة.
لذا، بالعودة إلى المقولة المنقوشة على واجهة قصر السيف “لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك”، فإن الأشخاص راحلون، والدول باقية، وحين يستشرس البعض في الدفاع عن أشخاص، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهؤلاء لا يريدون الخير، إنما يعملون على قاعدة خراب الهيكل، لأن لهم فائدة في ذلك، فهم كالغربان لا يعيشون إلا في الخرائب.
لهذا، فإن عدم الالتفات إلى تلك الشائعات ضرورة، لا سيما أن الكثير منهم ينشرون بأسماء مستعارة، أو من خارج الكويت، ففي كل عصر هناك وسائل للتشويش وتحقيق الأهداف الشخصية على حساب الدولة، لكن المسؤولين الذين يتمتعون بالفطنة يدركون أن ذلك لن يؤثر على مسار الدولة، وأنها ثابتة رغم تبدل الأقدار.