رأي في الحدث

جعفــرعبــاس: تجارب سفر لا تسر الخاطر

مازال‭ ‬بي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬الظن‭ ‬بالطائرات،‭ ‬ومازلت‭ ‬أتساءل‭: ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الطائرة‭ ‬تستطيع‭ ‬ان‭ ‬تسير‭ ‬بسرعة‭ ‬250‭ ‬كيلومترا‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المدرج‭ ‬استعدادا‭ ‬للإقلاع،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬طرق‭ ‬مرصوفة‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬ليسافر‭ ‬الناس‭ ‬أرضا‭ ‬بتلك‭ ‬السرعة‭ ‬الفائقة؟‭ ‬ثم‭ ‬تعاملت‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬شركات‭ ‬الطيران‭ ‬العربية،‭ ‬وتأكد‭ ‬لي‭ ‬ان‭ ‬الكرم‭ ‬العربي‭ ‬‮«‬إشاعة‮»‬،‭ ‬فلا‭ ‬ابتسام‭ ‬ولا‭ ‬طعام‭ ‬عليه‭ ‬القيمة،‭ ‬واستخدمت‭ ‬طائرات‭ ‬شركة‭ ‬أمريكية‭ ‬للانتقال‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬بوسطن،‭ ‬فقدموا‭ ‬لي‭ ‬فور‭ ‬الركوب‭ ‬كيس‭ ‬بطاطس‭ ‬مقرمشة‭ ‬صغير‭ ‬الحجم،‭ ‬وطلبت‭ ‬ماء‭ ‬فقالوا‭ ‬لي‭: ‬عليك‭ ‬بالتيمم‭ ‬لأننا‭ ‬نسينا‭ ‬حمل‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬معنا‭.‬

ثم‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬السيدة‭ ‬الهندية‭ ‬المسافرة‭ ‬بالطائرة‭ ‬من‭ ‬نيودلهي‭ ‬إلى‭ ‬هونغ‭ ‬كونغ،‭ ‬عندما‭ ‬طلب‭ ‬منها‭ ‬قائد‭ ‬الطائرة‭ ‬إخلاء‭ ‬المقعد‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تجلس‭ ‬عليه‭ ‬لأنه‭ ‬يخصه،‭ ‬وجادلته‭ ‬السيدة‭: ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬لك‭ ‬مقعد‭ ‬خاص‭ ‬بك‭ ‬بين‭ ‬الركاب‭ ‬وأنت‭ ‬الكابتن‭ ‬ومكانك‭ ‬في‭ ‬قمرة‭ ‬القيادة،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬الطائرة‭ ‬فاضية‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬تختر‭ ‬لنفسك‭ ‬مقعدا‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى؟‭ ‬فكان‭ ‬الرد‭: ‬مو‭ ‬شغلك‭ ‬ومو‭ ‬يخصك‭. ‬أنا‭ ‬الكابتن‭ ‬وكلمتي‭ ‬ماشية‭. ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬السيدة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ظلت‭ ‬واقفة‭ ‬على‭ ‬رجليها‭ ‬طوال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ست‭ ‬ساعات‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬احتجاجها‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المعاملة‭ ‬الفظة‭ ‬من‭ ‬‮«‬دريول‮»‬‭ ‬الطائرة‭. (‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬ساعتين‭ ‬من‭ ‬الإقلاع‭ ‬جاء‭ ‬الكابتن‭ ‬وجلس‭ ‬في‭ ‬الكرسي‭ ‬الذي‭ ‬أخلته‭ ‬السيدة‭ ‬الهندية‭ ‬وخلع‭ ‬حذاءه‭ ‬ونام،‭ ‬وبعد‭ ‬الهبوط‭ ‬في‭ ‬هونغ‭ ‬كونغ‭ ‬توجهت‭ ‬السيدة‭ ‬إلى‭ ‬المكتب‭ ‬المخصص‭ ‬لشركة‭ ‬الطيران‭ ‬تلك‭ ‬وسجلت‭ ‬شكوى‭ ‬ضد‭ ‬الكابتن،‭ ‬وشهد‭ ‬لصالحها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الركاب،‭ ‬فتم‭ ‬فصله‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬لاحقا‭ ‬بعد‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التحري‭ ‬والتحقيق‭).‬

وقد‭ ‬طيبت‭ ‬تلك‭ ‬الحكاية‭ ‬خاطري،‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الجلافة‭ ‬وقف‭ ‬على‭ ‬أطقم‭ ‬بعض‭ ‬شركات‭ ‬الطيران‭ ‬العربية‭ (‬بعض‭ ‬وليس‭ ‬جميع‭) ‬التي‭ ‬يكشر‭ ‬فيها‭ ‬المضيفون‭ ‬والمضيفات‭ ‬عن‭ ‬الأنياب‭ ‬كلما‭ ‬طلبت‭ ‬منهم‭ ‬شيئًا‭. ‬وكتبت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬ركوبي‭ ‬طائرة‭ ‬تابعة‭ ‬لشركة‭ ‬عربية،‭ ‬من‭ ‬مطار‭ ‬هيثرو‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬وكنت‭ ‬مدركا‭ ‬لسوء‭ ‬سمعة‭ ‬تلك‭ ‬الشركة،‭ ‬ولكنني‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬مقعدا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬طائرة‭ ‬تتبع‭ ‬لشركة‭ ‬محترمة،‭ ‬واستوجبت‭ ‬الضرورة‭ ‬مغادرتي‭ ‬لندن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬إقلاع‭ ‬الطائرة‭ ‬تسللت‭ ‬روائح‭ ‬التبغ‭ ‬إلى‭ ‬خياشيمي،‭ ‬فتلفت‭ ‬لأعرف‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬الراكب‭ ‬الغبي‭ ‬الذي‭ ‬سيتعرض‭ ‬للزجر‭ ‬وربما‭ ‬الرمي‭ ‬خارجا‭ ‬عبر‭ ‬نافذة‭ ‬الطائرة‭ ‬لأنه‭ ‬يمارس‭ ‬أمرا‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬أي‭ ‬شركة‭ ‬طيران‭ ‬تسمح‭ ‬به‭ (‬التدخين‭)‬،‭ ‬فإذا‭ ‬بي‭ ‬أفاجأ‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬يدخن‭ ‬هي‭ ‬كبيرة‭ ‬المضيفات،‭ ‬وتحركت‭ ‬من‭ ‬مقعدي‭ ‬لتوبيخها،‭ ‬وعندما‭ ‬اقتربت‭ ‬منها‭ ‬اكتشفت‭ ‬ان‭ ‬لها‭ ‬شاربا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬شاربي‭ ‬فتراجعت‭ ‬تكتيكيا‭ ‬طلبا‭ ‬للسلامة‭.‬

أدركت‭ ‬أن‭ ‬جماعتنا‭ ‬ليسوا‭ ‬وحدهم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬عكننة‭ ‬المسافرين‭ ‬عندما‭ ‬اطلعت‭ ‬على‭ ‬سجل‭ ‬طريف‭ ‬لبعض‭ ‬شركات‭ ‬الطيران‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬قلة‭ ‬الذوق‭ ‬ليست‭ ‬وقفا‭ ‬على‭ ‬شركات‭ ‬عربية‭ ‬تدير‭ ‬أساطيل‭ ‬من‭ ‬طائرات‭ ‬الكارو،‭ ‬ففي‭ ‬شركة‭ ‬طيران‭ ‬أمريكية‭ ‬محلية‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تسجيل‭ ‬يرشد‭ ‬الركاب‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬السلامة،‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭: ‬مرحبا‭ ‬بكم‭.. ‬لربط‭ ‬حزام‭ ‬المقعد‭ ‬أدخل‭ ‬الطرف‭ ‬المعدني‭ ‬في‭ ‬الإبزيم،‭ ‬ثم‭ ‬اسحب‭ ‬طرف‭ ‬الحزام‭.. ‬يعني‭ ‬حزام‭ ‬الطائرة‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الحزام‭ ‬العادي،‭ (‬كذا‭ ‬والله‭ ‬كما‭ ‬قرأت‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬أمريكية‭) ‬وإذا‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬كيفية‭ ‬استخدامه‭ ‬فلا‭ ‬تغادر‭ ‬بيتك‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬صحبة‭ ‬شخص‭ ‬راشد،‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬انخفاض‭ ‬الضغط‭ ‬داخل‭ ‬الكابينة‭ ‬ستنزل‭ ‬كمامات‭ ‬الأكسجين‭ ‬من‭ ‬سقف‭ ‬الطائرة،‭ ‬توقف‭ ‬عن‭ ‬الصراخ‭ ‬وضع‭ ‬الكمامة‭ ‬فوق‭ ‬أنفك‭ ‬وفمك،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬معك‭ ‬طفل‭ ‬فثبت‭ ‬كمامتك‭ ‬أولاً‭ ‬ثم‭ ‬ساعده،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬معك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬طفل‭ ‬فحدد‭ ‬أيهم‭ ‬تحب‭ ‬أكثر،‭ (‬أذكرك‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬موجه‭ ‬من‭ ‬شركة‭ ‬الطيران‭ ‬إلى‭ ‬الركاب‭).‬

وخلال‭ ‬رحلة‭ ‬جوية‭ ‬لطائرة‭ ‬أمريكية‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬عاصف‭ ‬اهتزت‭ ‬الطائرة‭ ‬وارتجت‭ ‬بشدة‭ ‬وهي‭ ‬تهبط‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬أماريلو‭ ‬بولاية‭ ‬تكساس،‭ ‬ووسط‭ ‬العويل‭ ‬والضجيج‭ ‬سمع‭ ‬الركاب‭ ‬مساعد‭ ‬الطيار‭ ‬يقول‭: ‬سيداتي‭ ‬سادتي‭ ‬مرحبا‭ ‬بكم‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬أماريلو،‭ ‬ونرجو‭ ‬منكم‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬مقاعدكم‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬الكابتن‭ ‬من‭ ‬دحرجة‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الطائرة‭ ‬إلى‭ ‬البوابة‭ ‬المحددة‭. ‬ونجحت‭ ‬الطائرة‭ ‬في‭ ‬الهبوط‭ ‬بسلام‭ ‬ووقف‭ ‬الكابتن‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬السلم‭ ‬مبتسمًا‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬يهنئه‭ ‬الركاب‭ ‬على‭ ‬مهارته‭ ‬التي‭ ‬أوصلت‭ ‬الطائرة‭ ‬سالمة‭ ‬إلى‭ ‬الأرض،‭ ‬فاقتربت‭ ‬منه‭ ‬امرأة‭ ‬عجوز‭ ‬وسألته‭: ‬هل‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬هبوطا‭ ‬عاديا‭ ‬أم‭ ‬تم‭ ‬إسقاط‭ ‬الطائرة‭ ‬بصاروخ؟

*اخبارالخليج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى