د.مصطفى حامد اغلو: العلاقات السعودية التركية و”الاغتيال الرياضي”
هاهي الجماهير التركية تهتف بشعارات حماسية قومية وهي تستقبل فرقها الرياضية العائدة من الرياض في هذه الساعات المبكرة ، بعد الفشل الذريع للاتحاد التركي بإدارة الأزمة التي تسببت بإلغاء مباراة النهائي لكأس السوبر التركي بين فريقي فناربهجة وغلطاسراي بالرياض .
رغم أن الأزمة هي فشل واضح بتنظيم لقاء رياضي ،لكن الهتافات الجماهيرية وتعليقات المشجعين وتحليلات المعلقين الرياضيين والسياسيين طيلة هذه الليلة تسعى لتحويلها الى أزمة سياسية وثقافية وفكرية وقومية ، وكأن هذا الأمر يمس الجمهورية التركية ومؤسس الجمهورية وينبع من خلفيات دينية قومية ضد تركيا ، مما قد ينذر بعودة الفتور والجمود على العلاقات السعودية التركية من جديد ، بعد أن بدأت تنتعش بالآونة الأخيرة ولا تزال تتعافى ببطئ.
الرياض من طرفها اعلنت من خلال “بيان صدر عن موسم الرياض في بيان رسمي عن ملابسات عدم اقامة مباراة السوبر التركي التي كان مقررا إقامتها يوم أمس بين فريقي غلطة سراي وفنربخشة في العاصمة السعودية الرياض ،على ملعب أول بارك.
وأعرب البيان عن اعتزازهم ب العلاقات الوثيقة مع الجمهورية التركية الشقيقة في مختلف المجالات بما في ذلك المجال الرياضي .
وأكد البيان أن موسم الرياض كان يتطلع الى اقامة المباراة في موعدها وفقاً للوائح والأنظمة الدولية لكرة القدم التي تنص على ضرورة تقديم الرياضة دون أي شعارات خارج نطاقها.
وتابع البيان ” تم الاتفاق على عزف النشيد الوطني للجمهورية التركية وابراز العلم التركي في داخل المعلب وفي المدرجات ، تقديرا للمكانة التي نحملها للجمهورية التركية” مشيراً الى أنه على الرغم من ذلك التوافق إلا أنه كان مؤسفاً عدم التزام الفريقين بما تم الاتفاق عليه ، وهو ما أدى الى عدم اقامة المباراة.
اذاً لماذا هذا الفشل ..؟؟
من يتابع النقاشات والانتقادات منذ اشهر لمجرد اقامة هذه المباراة ببلد عربي وبالسعودية بشكل خاص كان يدرك بأن الازمة قادمة وكان الأولى برئاسة الاتحاد الاتركي أن ترى هذه المؤشرات وتأخذها بعين الجدية والاهتمام وتتخذ الاجراءات الوقائية الاحترازية لمنع وقوع هذه الأزمة.
لكن الاتحاد يعاني من فشل محلي بإدارة الدوري التركي قبل أن يتفرغ لمنع مثل هذه الأزمة التي ستضر بالعلاقة بين البلدين ..
هذا اذا استثنينا واستبعدنا الشبهات التي أطلقها بعض النقاد الرياضين هذه الليلة عن علاقة رئيس الاتحاد بجماعة فتح الله غولن ..
وهذه الاتهامات عندما تأتي بعد فصل المئات الاسبوع الماضي من منسوبي الأمن بوزارة الداخلية فإنها تقوي مثل هذه الشاعات…
ودائما عندما تحصل أي عملية ارهابية او عملية اغتيال فأن السؤال المبرر هو لكي تعرف الفاعل ،أسأل عن المستفيد!!؟؟
فمن هو المستفيد في هذه الازمة…!!؟؟
ومن هذا الاغتيال الرياضي المفتعل للعلاقات السعودية التركية..!!؟
مما لا شك فيه أن المملكة العربية السعودية التي تسعى لتنظيم دورات رياضية عالمية وعلى رأسها كأس العالم ، وتقوم بتنظيم مباريات كؤوس نهائيات ألمانيا وانجلترا وايطاليا لن تكون هي المستفيدة من وراء هذه الأزمة وعدم اقامة المباراة بموعدها المحدد..لأن هذا يخدش بقدرتها وسمعتها بالاوساط الرياضية والدولية وهي أحرص ما يكون على إنجاح مثل هذه اللقاءات.
تركيا كدولة وحكومة وحزب العدالة والتنمية ايضا ليسوا من المستفيدين بل المتضرر الأكبر من هذه الأزمة ، لأن الحزب الحاكم يسعى بكل جهدة لرفع مستوى العلاقات السعودية التركية بشكل خاص الى أعلى مستوى يمكن الوصول له وعلى كل المستويات السياسية والتجارية والاستراتيجية..
عودة الفتور والجمود الى العلاقات السعودية التركية وتأثر الاقتصاد والتبادل التجاري سلباً في هذه الفترة وخاصة قبيل الانتخابات التركية يجعل الحزب الحاكم هو المتضرر الأول والمستهدف الأول من افتعال هذه الأزمة..
والمتضرر الآخر هم العرب والاتراك الذين لديهم علاقات تجارية بين البلدين
وقد ينعكس هذا على التنسيق السعودي التركي بشأن القضية الفلسطينية وأوضاع غزة ، وكذلك التعاطف الشعبي التركي مع غزة ، وأخيرا المتضرر الذي لا ناقة ولابعير له بهذه الأزمة والحلقة الأضعف دائما وهم السوريون بتركيا حيث ستزداد النعرة القومية والعرقية والكراهية تجاههم بعد هذا التجييش القومي ضد العرب ممثلا بالسعودية.
فالمستفيد هو كل من يريد عدم الاستقرار بهذه المنطفة ولايريد العلاقة الجيدة بين العرب والأتراك ويريد تراجع العلاقات السعودية التركية ..
المشكلة لم تكن خلاف على عزف النشيد التركي ولا حضور الفرق الفنية الخاصة لاحياء حفلة الاحتفال بالذكرى المئوية للجمهورية التركية ابدا..
بل تم قبل يوم من المباراة ترتيبات الملعب وعمل بروفا لتلك الـأمور كلها..
المشكلة بدأت من الاعتراضات على تنظيم هذه المبارة بدولة عربية من قبل القوميين والذين يستغلون اسم مؤسس الدولة التركيا أتاتورك كذريعة للنيل من النظام الرئاسي والحزب الحاكم ..
هذه الانقادات وهذه الاصوات ورغم قلتها لكنها قوية ومؤثرة وتجيد الصيد بالماء العكر ، شكلت ضغطا جماهيريا على رؤوساء الفريقين فكانت لهما طلبات لتبرير موقفهما واثبات قوميتهما من خلال طلبات باللحظات الاخيرة بأن يخرج احد الفرق بلافتة مكتوب عليها مقولة تنسب لمؤسس الدولة التركية وهي “صلح بالوطن وصلح بالعالم” الفريق الثاني بشعار ” كم هو سعيد(هنيئاً) لمن يقول أنا تركي” وأن يخرج اللاعبين بأقمصة عليها صور أتارتوك.
29 كانون الأول ليس هو 29 تشرين الثاني حيث مضى أكثر من شهرين على هذه الذكرى ، فليست مناسبة ذكىرى تأسيس الدولة التركية . فليس هناك مبررا من الاصرار على هذا الطلب ..
لكن الدافع الاساسي هو محاولة تبرير الموافقة على اجراء المبارة خارج تركيا
والادعاء بأن المملكة رفضت عزف النشيد التركي لا أصل له..
كما أن كل المباريات الدولية بين الفرق الرياضية لها قوانيينها وانظمتها ولوائحها الواضحة
اذا جذور الأزمة ليست مجرد ترتيبات رياضية
بل هي جذور فكرية قومية وهذا ما يقودنا للتذكير بهذه المعضلة التي يجب العمل عليها من قبل الدولة التركية والحزب الحاكم والمؤسسات الفكرية والاكاديمية من أجل تعايش حضاري قادم بين أبناء هذه المنطقة .
فهل نستفيد من هذه المحن ونحولها لناقوس خطر ودروس ومنح وعبر ..!!؟؟
ترك برس