حسن علي كرم : لبنان مرتهن إلى حين آخر
في زياراتي المتعددة الى لبنان، افضل الـ”تاكسي” على تأجير سيارة، فالقيادة في شوارع البلد، وبخاصة بيروت مغامرة وبطولة وجنون، فانت لا تحتاج تأمينا على الحياة، أو على السيارات، لانك في كلتا الحالتين، انت وسيارتك في خطر.لذلك اتعجب من الكويتيين الذين يغامرون بارواحهم وسياراتهم لقطع طريق طويل وغير آمن من الكويت الى بيروت، مع أن تأجير سيارة مع سائق اكثر أماناً واقل كلفة، لذلك علاقتي مع سواقي الاجرة هناك كعلاقة مواطن لبناني، لا اشعر بالغربة، او ينصب عليَّ الشوفور، خصوصاً ان تنقلاتي لا تتجاوز حدود بيروت، وليس كلها. في احدى المرات استقلني “تاكسي”، و بعدها اندمجنا في الحديث، فقال السائق انه يملك اربع سيارات.قلت له ان رسوم “نمرة التاكسي” عندكم عالية جداً، فضحك من جهلي، وقال: “اشيل النمرة من سيارة واركبها على السيارة التانية”، قلت له: والبوليس لا يخالفك، قال بعصبية كحال الاكثرية اللبنانية اذا فاجأته او استفززته بسؤال مفاجئ قال: “مين بيسترجي يخالفني”؟قلت له: “شو انت عنتر بن شداد”، قال: “لا انا من “حزب الله”، ما في حدا يستجري علينا”.قلت في نفسي: “الله يكون في عون اللبنانيين غير الحزبيين”!في سفرة ثانية، جاء نصيبي مع “تاكسي” شيعي غير حزبي، واثناء الحديث معه قال: “انا شيعي، لكن في الانتخابات انتخب مسيحيا، لان النائب المسيحي بيخدمني”، وذكر لي كيف ان ابنه العاطل عن العمل توسط له النائب المسيحي فالتحق بوظيفة.هكذا هو لبنان، احزاب مسيطرة على مفاصل الدوائر والوزرات، قلت في نفسي يا صديقي اللي عندكم عندنا.بينما “تاكسي” درزي اختلف، وكأنه مطمئن ان لا شيء في لبنان لا يطوله.هذه حال لبنان طوائف واحزاب وسياسات متقاطعة ما اوصل الدولة والبلد والشعب الى الفقر والكساد وانهيار الليرة اللبنانية.من اوصل لبنان بلد الجمال والفن وباريس الشرق الى حال اسوأ من بعض الدول الافريقية؟ تحكم زعامات طائفية، فلبنان الذي فشل انتخاب رئيس للدولة منذ سنتين اي منذ ان تخلى الرئيس السابق ميشال عون عن منصبه، ولم يجلس يوماً واحدا بعد انتهاء مدته، جعله سياسيوه انتخاب الرئيس للواساطات والتدخلات الدولية، كي يحلوا خلافات الاحزاب على الرئاسة، رغم ان صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية محدودة! هل يستطيع اللبنانيون ان يقفوا على ارجلهم ويحلوا خلافاتهم من دون والسلطات والتدخلات الخارجية، وهل هذا لبنان الذي كان في يوم من الايام، وليس بعيدا يعلمون وسطاءهم الحاليين دروساً في السياسة؟من يذكر شارل مالك وزير الخارجية في عهد الرئيس كميل شمعون، والرجل القوي الذي جاء من المؤسسة العسكرية فؤاد شهاب فجعل لبنان الطوائف لبنانا واحدا، هذا العهد ليس بعيداً، لكن لبنان اليوم زعامات طوائف واحزاب وليتهم يخدمون طوائفهم.لبنان المنقسم الى 19 طائفة هذا بخلاف اللاجئين الفلسطينيين، الذين يرون لبنان وطناً بعد سنوات طويلة من الاقامة وانجاب ابناء واحفاد، وهناك النازحون السوريون الذي يرفضون مغادرة لبنان، بذرائع غير مبررة. ان لبنان في ظرف تحوم في سمائه مخاطر جمة، لعل التهديدات المتبادلة والتراشق بين “حزب الله” والكيان الصهيوني، فيما الداخل يعد الايام وينتظر النهار الاخر ليشرق عليه، وقد اختفت المسيرات والقنابل والصواريخ.حسن نصرالله يعلم جيداً جعجعته الفارغة ليست الا في الهواء، فهو على يقين ان صواريخه ومسيراته المخزنة تحت الارض، لن تكون الضربة القاضية لمحق وسحق اسرائيل، بل ربما يكون العكس سحق ومحق للبنان، فما ذنب الابرياء حتى يدفنوا تحت اكوام بيوتهم المنهارة، كما هي الحال في “غزة حماس”؟تجربة “حزب الله” مع اسرائيل كافية كي يعرف نصرالله ان القوة غير المتكافئة لن تجلب الا المزيد من المآسي على اللبنانيين الذين يعانون من وضع معيشي مأساوي.نصر الله بتهديداته العنترية يقطع انفاس اللبنانيين، ويجعلهم رهينة لاي عمل جنوني، رغم أن ثمة لبنانيين، وبخاصة المسيحيين يؤيدونه، ويرون فيه الخلاص والرمز، لكن الواقع المشكلات الحدودية بين لبنان واسرائيل لن تحل الا بالجلوس الى طاولة واحدة والبحث في حل المساحات المتنازع عليها.الحدود البحرية ربما قد تكون حلا، فالمصالح جعلت الاسراع في الحلول التي توافقت عليها الاطراف، حزب حسن نصرالله لن يقلع اسرائيل من الارض، ولا الاسرائيليون يستطيعون ضم لبنان الى اراضيهم المغتصبة اصلاً، ولن تتكرر احداث 1947.ان حسن نصرالله ينبغي اولا واخيرا ان يكون لبنانياً، واموال ايران التي تغدق عليه سيأتي يوم وتتوقف، فالايرانيون اليوم يعانون الامرين، بطالة وفقر وتردي العملة وما يصاحب ذلك من غلاء.ان السيد حسن نصرالله في وضع ينبغي ان يضع امن لبنان، ومصالح شعبه قبل جعجعة المسيرات والصواريخ التي اثبتت انها مجرد العاب نارية مقابل القوة الاسرائيلية الغاشمة.سيأتي يوم يكتشف حسن نصرالله الذي جعل لبنان حبيس قضية ليست قضيته، عندها ارجو ان يتذكر عندما قال بعد حرب 2006 “ياليت ما دخلنا في حرب مع اسرائيل”.نحن في منطقة غير آمنة وكلنا مهددون وطناً وامة من الحماقات التي ترتكبها ميليشيات تعمل على ارضنا لكن لحساب الاخرين!