محمد يوسف: القائد لا يهرب

كم هو سعيد «هنية»، القائد «المقاوم عن بعد»، من سلح ودرب وخطط وأمر، ثم غادر الميدان قبل أن يحمى الوطيس، ذهب بعيداً، حيث لا تطاله قذيفة أو يد تبحث عنه، فهناك سيجد سعة للتفكير والتدبير في جو هادئ ومحيط آمن.

هكذا يكون القادة، إذا كان إمامك اسمه حسن البنا الساعاتي، ومصدر فتاواك من كاتب «سيناريوهات» أفلام «مزراحي»، ذلك المدعو سيد قطب، فأنت تلميذ نجيب، تسمع الكلام، وتلتزم بتوجيهات المرشد، وتنفذ وصايا الذين هربوا من الساحة قبلك، وكتبوها في قصورهم في ضواحي «ميونيخ» الألمانية و«زيوريخ» السويسرية، حيث الخضرة والماء والمنظر الحسن!

أردت إرواء الأرض بمزيد من الدماء، وشهداء يرتقون إلى السماء، لتغسل ماذا؟ ذنوبك أم ذنوب غيرك؟ آثامك أم آثام من سبقوك؟ فهذه أرض فلسطين التي ارتوت منذ مئات السنين، فلسطين التي احتلت واغتصبت على يد جيوش وجحافل أتتها من الغرب والشمال والشرق، فلسطين التي غُسلت من دنس المحتلين بأيدي رجال مثل صلاح الدين، فهل تعرف من هو صلاح الدين؟ إنه القائد والسلطان من ترك القصور في عاصمة ملكه لينام في خيمة على الثغور، هناك على مشارف فلسطين، مع المرابطين في أرض الرباط، واستعد لسنين بعد سنين، ولم يترك رجاله حتى دخل معهم القدس وصلى في مسجدها وهم يكبرون خلفه.

من فتحوا فلسطين، وطردوا منها الروم، ومن حرروها من ملوك الفرنجة وحطموا راياتهم، كانوا مسلمين، ولم يكونوا إخواناً، كانوا أهل «كتاب وسنة»، ولم يكونوا أهل «كهانة» يتبعون «طائفة سرية»، كانوا أهل بأس وثبات، لا يهربون في ظلام الليل تاركين رجالهم لقمة سائغة لمن لا يرحمون، وقد كنت أيها «القائد الهارب» تعرف جيداً ما ينتظرهم، ومع ذلك تركتهم لمصيرهم، فارتوت الأرض بالدماء حتى فاضت، وأزهقت الأرواح حتى غطت السماء، فهل أنت سعيد اليوم بما أنجزت؟