رأي في الحدث

جاسم مرزوق بودي : مجلس التعاون… آن أوان الشراكة

قد تبدو الفكرة التي سأطرحها هنا سباحة في عكس التيار، لكن هذه السباحة وإن كانت في النهر أو البحر فإنها ستصب حكماً في المحيط وسيتضح أنها مع التيار بل وتسبقه أحياناً.

عندما تأسّس مجلس التعاون الخليجي في 1981 كان فكرة رائدة في التوقيت والجغرافيا، أي في الزمان والمكان المناسبين. ومن دون أن نستعرض هنا مسيرة المجلس ونجاحاته وإخفاقاته إلا أنّنا يُمكن الاقتباس من كلمات قادة الخليج في القِمم التي عُقدت أن المجلس ورغم كلّ التّقدّم الذي أتى به إلّا أنّه ما زال دون طموحات أبناء دول الخليج التي تريد المجلس كياناً جامعاً حامياً إنما أكثر تطوّراً وتماسكاً لمُستقبل مُختلف.

في الكلام الصريح، فإن روابط الأخوة والصداقة والمحبة بين دول الخليج سبقت قيام المجلس وتقدّمت عليه. ولنفترض مثلاً أن المجلس كمنظومة سياسيّة لم يكن موجوداً عند غزو الكويت وأن قوات «درع الجزيرة» لم تتشكّل، فهل يتخيّل أيّ كويتي أن قوات دول الخليج لن تهبّ هبّة رجل واحد للمُساهمة في تحرير الكويت؟ ألم يقل المغفور له الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز «يا نروح سوا يا نبقى سوا»؟ ألم يتقدّم أبناء قادة دول الخليج آنذاك جيوش هذه الدول عند التحرير لتأكيد وحدة المصير؟ ولو افترضنا أن المجلس لم يكن موجوداً عند اندلاع أحداث البحرين هل كان أي بحريني يتخيل مثلاً أن المملكة وغيرها لن يساهموا في ضبط الاستقرار؟

وكي لا يستنتج أحد من هذا الكلام أنّني أتحدّث عن بديل لمجلس التعاون أقول بل نحن مُتمسّكون به ونريد أن يتطور.

كيف؟

اليوم، العالم كلّه يتغير وقد يكون التغير أسرع مما يتوقّعه الجميع، فإن تم حجز مقعد في قطار المُستقبل كان به، وإن تخلّفنا فعلينا أن ننتظر على أرصفة المحطات لحجز أماكن في الدرجات الثالثة أو الرابعة أو الخامسة. التطوّر يرتكز على قاعدتين رئيسيّتين: تكامل المنظومات الإقليمية، والشراكة في الصناعات خصوصاً التقنية التي تتقدّم بشكل مُذهل.

بالنسبة للكويت، هي دولة حباها الله بخير كثير، وشاء القدر أن تكون في جغرافيا ظلمتها. لكن إمكاناتها كبيرة وطاقات شعبها لافتة. ما دفعني إلى فكرة المقال هو الإعلان أخيراً عن توقيع عقد توريد زوارق صاروخية مع دولة الإمارات بقيمة 2.5 مليار دولار ومن دون وسطاء. وهو عقد جريء ومُمَيّز وخلّاق ومُهمّ وربّما كانت عقبات ستحول دون إبرامه لو كان هناك مجلس يعيق وحكومة ضعيفة. كنّا دائماً نتمنّى صفقات بين دول عربية تملك صناعات مُتقدّمة فكيف بدولة خليجية شقيقة؟

السؤال الذي نتمنّى إجابات عنه: لماذا لا تذهب الكويت أبعد من ذلك في إطار تطوير التعاون داخل مجلس التعاون؟ أي بدل أن نشتري فقط من الإمارات وهو أمر محمود كما أسلفنا ندخل شركاء في «إيدج» الإماراتية المؤسسة الرائدة عالمياً في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والدفاع؟ نحن مُقتنعون بجودة هذا المنتج وقدرات المصنع فلماذا لا يُتوّج التعاون أو التكامل بالشراكة المُفيدة للبلدين والشعبين؟ والأمر نفسه بالنسبة إلى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي حيث تبحث دول عالمية اليوم عن الشراكة مع الإمارات.

وفي موضوع الشراكة الخليجية، لا ننسى أن الكويت كانت رائدة في ذلك عبر مشروع مصفاة الدقم المُشترك بيننا وسلطنة عمان، ويُعدّ واحداً من أكبر المشاريع الاستثمارية بين البلدين. وعليه نسأل مُجدّداً: لماذا لا يكون ميناء مبارك الكبير مثلاً ميناء خليجياً أيضاً؟ وفي علم السياسة عندما تتشارك دول الخليج في الملاحة والإدارة فهذا يعني تالياً شراكتها في الحماية أيضاً.

نحن نريد أن نُنَوّع المداخيل كي لا تقتصر على بيع النفط. لماذا لا ندخل شركاء في مصانع سعودية كبرى أثبتت ريادتها وحقّقت للمملكة مداخيل غيرنفطية تتعاظم كلّ سنة؟ نفرح لاكتشافات الحقول المشتركة بين الكويت والسعودية ولكن لماذا مثلاً لا تدخل مؤسسة البترول شريكاً مع بعض مشاريع «أرامكو» الضخمة؟

كي أكون صريحاً أكثر، الكويت لا تستطيع أن تكبر جغرافياً إنما يُمكنها التألق اقتصادياً واجتماعياً. هذا التألّق يحتاج إلى القوة وعندما نقول القوة تبرز فوراً المملكة العربية السعودية التي أثبتت قدرة فائقة أمنياً ولوجستياً على إدارة أكبر وأضخم حشد سنوي عالمي في موسم الحج. دولة والحمد الله قوية بقيادتها وشعبها ومبادئها، وعقد اتفاقات شراكة أمنية وعسكرية معها مثل التي عقدناها مع الدول الكبرى هو لمصلحة الكويت، سواء عبر قواعد مُشتركة وتدريبات ومُناورات سنوية مع التأكيد على التعاون في إطار الاستقلالية.

وهذه الأسئلة تمتدّ لتشمل كلّ دول الخليج التي بالتأكيد هناك مجالات شراكة – ولم أقل التعاون- معها في مُختلف المجالات.

وكي نكون مُحدّدين أكثر، يمكن للكويت أن تفتح ذراعيها لاستثمارات خارجية من دول الخليج وخصوصاً في الشأنين العقاري والصناعي، فتمنح الشركات العقارية الرائدة في الإمارات مثلاً تسهيلات مُشابهة لما تحصل عليه هذه الشركات في الإمارات نفسها من أجل نقل خبراتها إلينا وتطوير مرافق عقارية في الكويت وتحويل مساحات صحراوية إلى مدن عصرية ذكية، كما يمكن فعل الأمر نفسه مع شركات سعودية رائدة في مجال الصناعات بما في ذلك الثقيلة منها وصولاً حتى للغذائية والسياحية مع تسهيلات كبيرة بما ينعكس إيجاباً لمصلحة الكويت.

الشراكة في المشاريع والقطاعات الصناعية الضخمة والمنتجة مع الدول الأعضاء في مجلس التعان الخليجي أولاً وبشكل ثنائي (راس براس) كما يحصل بين دول الخليج والدول الكبرى، هو المخرج من الجمود الراهن وهو المُبادرة الخلّاقة التي ستنعكس قُوّة لمجلس التعاون كمنظومة إقليمية… تعميم المصالح يحجب التباينات.

نشأنا على المثل القائل «ربع تعاونوا ما ذلّوا» وإذا «حجت حجايجها» ليس لنا بعد الله سوى دول مجلس التعاون التي صارت عام 1990 دولة واحدة. لا نريد مجلس تعاون جديداً بل مُتجدّداً قائماً على الشراكة وليس على التعاون فقط. وإذا كان شرط التطور عالمياً تماسك المنظومات الإقليمية وركوب قطارات المُستقبل بمشاريعه التقنية… فبالإقدام على الشراكة تستقلّ الكويت ودول الخليج الدرجات الأولى من هذه القطارات.

*افتتاحيه الراي الكويتيه


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى