أحمد أبو دقة : “التشبيح” الإيراني في الكويت
انطلقت أول سفن الهجرة اليهودية إلى فلسطين عام 1837م على يد اليهودي البريطاني مونتفيوري، حيث شيد أولى المستوطنات في عهد الخلافة العثمانية التي غفلت عن المخطط البريطاني الغربي القاضي باحتلال فلسطين وطرد أهلها. لا تختلف الأطماع اليهودية في فلسطين عن نظيرتها الإيرانية في الخليج العربي، وكما كانت السفن الغربية هي التي حملت المهاجرين اليهود إلى فلسطين أخشى أن تكون السفن الخليجية هي التي تحمل الإيرانيين إلى شواطئ الخليج..
إن الجرأة الفاجرة التي اتصف بها نواب مجلس الأمة الكويتي الشيعة والتي جعلتهم يقاطعون جلسات البرلمان يوم الأربعاء 13 يناير 2015م اعتراضاً على أحكام الإعدام التي صدرت ضد جاسوسين أدانتهما محكمة الجنايات الكويتية بالعمالة لصالح إيران وحزب الله، إنما تعبِّر عن حالة تمرُّد غير مسبوقة وتواطئٍ في العمالة لصالح إيران.
الحَراك الشيعي في الكويت لم يكن يوماً من الأيام ساكناً ومسالماً كما يزعم كثير من قادته ورموزه سواء على صعيد القضايا الداخلية أو الخارجية، ورغم اعتبارهم أقلية لا يتجاوز عددهم الـ 6% من المجتمع الكويتي إلا أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في عام 2006م – وهو بالضرورة مسيس ويأتي في إطار السياسة الأمريكية لدعم الأقليات في الحواضن السنية – يقول: إن شيعة الكويت يمثلون 30% من عدد السكان، ويشير التقرير إلى أن 100 ألف شيعي في الكويت هم مقيمون، بالإضافة إلى نحو 10 آلاف شيعي من طائفة البهرة الهنود.
وعلى الرغم من قلتهم إلا أنهم يتمتعون بنفوذ داخل المجتمع الكويتي اقتصادياً وسياسياً نظراً لتجمُّعهم ونخبِهم وسادتِهم في تكتلات اقتصادية وسياسية واجتماعية ودينية، كذلك يتستر كثير منهم بستار العلمانية، فقد فاز الشيعة في برلمان الكويت بـ 8 مقاعد خلال انتخابات عام 2013م من أصل 50 مقعداً. ومن أبرز الشخصيات التي تتصدر للدفاع عن النفوذ الإيراني في الكويت: عبد الحميد دشتي، حسين الغلاف، خليل الطباخ، نبيل الفضل، ورجل الأعمال محمود حيدر مالك صحيفة الدار وهي من أكثر وسائل الإعلام تحريضاً على المملكة العربية السعودية وسياستها ضد إيران.
من أبرز مطالب الطائفة الشيعية في الكويت: الحصول على يوم عطلة رسمية يومَ عاشوراء، كذلك إدخال المذهب الإثنا عشرية في المدارس وكليات الشريعة للسنة والشيعة على السواء، كذلك يطالب رموز الشيعة في الكويت بسرعة منح تراخيص لبناء حسينيات رغم أن بعض المصادر تقول أن الكويت فيها 800 حسينية نسبةٌ كبيرةٌ منها غير مرخصة، بالإضافة إلى المنازل التي تتحول إلى حسينيات في شهر محرم. كذلك يتمتع الشيعة في الكويت بحرية كبيرة في التجمع داخل حسينياتهم سواء كان ذلك الحضور لأجل قضاء شعائر دينية أو غير ذلك. ويستغل الشيعة في الكويت شهر محرم لاستقدام عشرات الخطباء من إيران والعراق للتنظير للمشروع الإيراني، بتساهل كبير من الدولة! أيضا طالبت مرجعيات شيعية في الكويت بإلغاء مواد دراسية تتحدث عن سيرة الخلفاء الراشدين، كما أثار بعض رموزهم مطالبات لتغيير منهج الثقافة الإسلامية التعليمي.
قبل وفاة الكويتي المتجنس محمد باقر المهري في يوليو 2015م كان يقود الحَراك الشيعي في الكويت، وكان يُستقبل في إيران استقبال الملوك بصفته “وكيل المرجعيات الشيعية في الكويت”. وصفته كلية نتانيا الأكاديمية الصهيونية بـ “عالم الدين الشيعي الكويتي الأبرز”، وكان مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي من أوائل المعزين بوفاة المهري. الذي من أشهر مواقفه أنه كان من أشد الرافضين لانضمام الكويت لاتحاد فيدرالي خليجي، كذلك برزت مواقف نواب الشيعة في رفض الحرب على الحوثيين في اليمن وكذلك التدخل السعودي في البحرين والثورة السورية.
يقول الدكتور فلاح المديرس في كتابه “الحركة الشيعية في الكويت”: إن نسبة كبيرة من شيعة الكويت هم من أصول إيرانية هاجروا إليها منذ القرن التاسع عشر، وقد شجع الاستعمار البريطاني مثل هذه الهجرات لأسباب سياسية واقتصادية.
من أبرز القضايا الشائكة والغامضة عند شيعة الخليج عموماً وشيعة الكويت خصوصاً هي قضية “الخمس”، وأين تذهب تلك الأموال الضخمة؟ وكما هو معروف فإن “الخمس” هو تقريباً 20% مما يزيد عن نفقات الشخص من أموال التجارة وغيرها من مصادر الدخل، وفي الفقه الإثنا عشري المتبع عند شيعة الخليج وإيران و لبنان والعراق يذهب “الخمس” إلى قسمين: الأول يعطى إلى “المرجع الذي يتبعه الشيعة”، والقسم الآخر من المفترض أن ينفَقَ على طلاب الحوزات أو المعاهد الدينية في “قم” بإيران أو النجف وكربلاء بالعراق وغيرها. عادل القصار كتب مقالة بعنوان “أين تذهب أموال الخُمس؟” في صحيفة القبس بتاريخ 30 أكتوبر 2008م، قال فيها “إذا كانت كل هذه الضغوط الدولية وأضواء المتابعة مسلَّطة على أموال الجمعيات الإسلامية ” السنية” ومصارف الزكاة في بلدان العالم العربي والإسلامي كلها منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م، فإن على الشيعة ألا يعتقدوا أن قضايا الخمس ستبقى في دائرة المسكوت عنه إلى الأبد”. في المحصلة فإن أموال الخمس التي تُدفع من قبل الشيعة وتذهب للمراجع من خلال وكلاء خاصين بهم ولا تخضع لرقابة الدولة ربما تذهب في مشاريع تعادي بصورة أو أخرى المجتمع والدولة، أو حتى تصل إلى يد المرجع الإيراني الأول للشيعة الإثنا عشرية علي خامنئي.
من أبرز المؤسسات والتجمعات التي تقود الحَراك الشيعي في الكويت بحسب مركز الخليج العربي للدراسات:
التحالف الإسلامي الوطني: وهو تحالف تشكل عام 1998م، ويؤمن بنظرية ولاية الفقيه التي يحق للفقيه الجامع للشرائط أن يتصدى لتوجيه حركة الأمة نحو أهداف الإسلام ويشرف على مسيرة التصدي لمؤامرات أعداء الإسلام. أبرز مؤسسيه عدنان عبد الصمد وعبد المحسن جمال وناصر صرخوه.
هيئة خدام المهدي: وهي هيئة ثقافية تطوعية تأسست عام 2000م بهدف نشر رسالة أهل البيت ودعوة الأمة إلى العودة لولاية أهل البيت، ومن أبرز مؤسسيها ياسر الحبيب الذي طُرد من الكويت عقب سبه صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
جماعة دار الزهراء: وتمثل هذه الجماعة كبار تجار الشيعة، ومن أبرز مؤسسي الجماعة حجي كاظم وعبد الوهاب الوزان وزيرة التجارة والصناعة ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل السابق والدكتور يوسف زلزلة، ووزير التجارة سابقاً.
تجمع علماء المسلمين الشيعة في الكويت: وتأسس في يوليو 2001م على يد محمد باقر المهري وأحمد يعقوب الناطق الرسمي باسم التجمع وغيرهما، وينتمي إلى الجعفرية الإثنا عشرية.
حركة التوافق الوطني: وتأسست في 2003م، ومن أبرز مؤسسيها نزار ملا جمعة ونائب أمين عام الحركة زهير المحميد. ولا تزال هذه الحركة تنشط في الساحة السياسية سواء عبر البيانات والتصريحات أو المقابلات التي تجريها الفضائيات العربية مع قيادات الحركة أو من خلال المؤتمرات.
تجمع العدالة والسلام: تأسس هذا التجمع عام 2004م، وتعود جذوره إلىالقرن المنصرم تحت مسمى “مكتبة الرسول” أو “جماعة صالح عاشور”، حيث نشط أعضاؤه بدعم عدد من المرشحين الشيعة لانتخابات المجالس النيابية، ويتبع هذا التجمع مرجعية السيد الشيرازي.
تجمع الميثاق الوطني: تأسس في السادس من يوليو 2005م، شاركت في تأسيسه مجموعة من الشيعة من الذين يعملون في الساحة السياسية كممثلين للشيعة، ومن أبرزهم عبد الهادي الصالح وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة سابقاً وعباس المحميد وسيد فاضل الزلزلة وسيد رضا الطبطبائي وغيرهم.
ائتلاف التجمعات الوطنية: وتأسس في سبتمبر 2005م من حركات شيعية عاملة في الساحة الكويتية، شارك التجمع في الانتخابات العامة لانتخابات أعضاء مجلس الأمة التي جرت في 29 يونيو 2006م بعدد من المرشحين، ولم يتمكن من الفوز بأي مقعد من المقاعد البرلمانية.
لا يقف التشبيح الإيراني في الكويت عند حد التجمعات المذكورة سابقاً؛ بل إنه غرس جذوره عميقاً من خلال رجل الأعمال محمود حيدر مالك صحيفة الديار وغيره من مرتزقة إيران في الكويت؛ فقد تمكنت إيران من بث سمومها في الصحافة الكويتية على أرفع مستويات، فقد ذكر موقع المثقف الجديد في مقالة حول الصحافة الكويتية الموالية لإيران للكاتب محمد حسين أسماء العشرات من الإعلاميين الكويتيين العاملين في مؤسسات صحفية مثل صحيفة القبس وصحيفة الوطن ووسائل إعلام مرئي ومقروء، وجميعهم مهمتهم بالتنظير للسياسة الإيرانية في المنطقة.
إن ما فعلتْه إيران من خلال الأقليات الموالية لها في سوريا وفي لبنان والعراق ينبغى أن يكون درساً قاسياً لدول الخليج عامة والكويت خاصة، ولا يمكن أن يستبعد المرءُ أن تكون هذه الأقليات هي المرادف الحقيقي للعصابات اليهودية (البلماخ والهغانا واشتيرن) التي دعمتها بريطانيا وتركتها تطرد وتهجِّر الفلسطينيين من أرضهم تحت حمايتها؛ فلا يمكن المراهنة على بقاء الأسطول الأمريكي الخامس في مياه الخليج لمنع السفن الإيرانية من اختراق الشواطئ الخليجية، فقد راهن بعض الساسة الفلسطينيين على بريطانيا لكنها في يوم وليلة تنصلت من تعهداتها وتركت الفلسطينيين يغرقون في بحر من الدماء والإرهاب اليهودي.
*الـبـيـــان