اللواء : أظرف من ظريف
ما كشفه وزير الخارجية الايراني السابق محمد جواد ظريف في كتاب اصدره مؤخرا, بعنوان «عمق الصبر» عن ليلة الانتقام لاغتيال قائد الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني, على أيدي الاميركيين في بغداد, يستدعي التوقف عنده, لاسيما ما يتعلق بوقائع ثلاث, الاولى عدم قيام مجلس الاعلى للأمن القومي الايراني، بابلاغ رئيس الجمهورية السابق حسن روحاني مسبقا، بعزم إيران الرد على عملية الاغتيال، بضرب قاعدة عين الاسد بالعراق التي تتمركز فيها قوات اميركية، والثانية إبلاغ المجلس رئيس الحكومة العراقية يومذاك، عادل عبد المهدي, بضرورة اطلاع الجانب الاميريكي على عملية الرد العسكري الايراني بواسطة صواريخ باليستية قبل وقوعها بأيام، لتفادي وقوع خسائر بأرواح الجنود الاميريكيين بالقاعدة.اما ثالث الوقائع، فهو ما كشفه ظريف ان القرار الذي اتخذ في الاجتماع الاخير للمجلس الاعلى الذي يرأسه روحاني, عدم الاستعجال بالرد على مقتل سليماني، وان الطريقة الاكثر فاعلية التي يتابعها حزب الله دوما، هي فرض الشروط الاستنزافية للتأهب لقوات الطرف الآخر. اسند ظريف روايته، بالاتصال ألذي تلقاه من نائبه عباس عراقجي بعد ساعات من الرد الإيراني، ليعلمه بقصف قاعدة عين الاسد, وتساءل عن اسباب عدم إبلاغه وإبلاغ الرئيس الايراني حسن روحاني بالهجوم. استدعت رواية وزير الخارجية الايراني السابق، ردا من صحيفة «كيهان» المقربة من مكتب المرشد الايراني علي خامنئي, ادعت فيه ان روحاني كان نائما، ولم يتمكن القادة العسكريون من إبلاغه.ولكن موقع روحاني هاجم في بيان «كيهان» بشدة, واصفا ما اوردته بالكذب قال ان اصل القضية، عدم إبلاغه الرئيس، والدليل على ذلك الغاء اجتماع للقادة العسكريين مع روحاني في منزله قبل ساعات من الهجوم.هذه الوقائع، المعلومة والمعروفة، انها تصدر عن وزير خارجية ايراني سابق، تولى مهمة تغطية السياسة الخارجية في ادق الظروف، وخصوصا في ملف المفاوضات حول الملف النووي الايراني والاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية، وتكشف بوضوح زيف وجود نظام سياسي وسلطة منتخبة من الشعب، بطريقة ديمقراطية، تتولى إدارة السلطة في إيران، بل هي واجهة شكلية، لما يخطط له ويتخذه القادة العسكريون، على جميع الصعد من قرارات مهمة، سياسية واقتصادية وعسكرية وامنية، وتدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية المجاورة وغيرها, بموافقة وغطاء من المرشد الايراني علي خامنئي، بينما تقتصر مهمة الطاقم السياسي تغطية هذه القرارات وتنفيذها بلا اعتراض اوتعديلات عليها.الواقعة الثانية, وهي ما تعني لبنان تحديدا، علاقة حزب الله مع النظام الايراني وارتباطه مباشرة بالتعليمات، التي تصدر عن المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني لتنفيذ خطط وسياسات النظام، ومنها إيكال مهمة الانتقام الايراني من الاميركيين, ردا على عملية اغتيال سليماني، وغيرها من عمليات التدخل الايراني بالمنطقة عموما، وهو مايؤكد مدى التدخل الايراني في الشؤون الداخلية اللبنانية، على حساب المصلحة الوطنية العليا، خلافا لكل الادعاءات الايرانية الناكرة لهذا التدخل، المرفوض من قبل اكثرية اللبنانيين، والذي يتعارض كليا مع احترام سيادة الدولة اللبنانية وسلطتها الشرعية والعلاقات بين الدول، ويعرض امن واستقرار وسلامة لبنان لمخاطر وتداعيات غير محسوبة، كما يحصل في الوقت الحاضر من خلال تفرد حزب الله باشعال حرب الحدود اللبنانية الجنوبية، بتعليمات ايرانية، بمعزل عن سياسة وقرارات السلطة الشرعية الوطنية اللبنانية. وثالث الوقائع الفاضحة وابرزها, بابلاغ الاميركيين بالرد الايراني المسبق على عملية اغتيال سليماني, الازدواجية المفرطة بتعاطي النظام الايراني والقادة العسكريين، مع الولايات المتحدة الأمريكية، وانكشاف أساليب السياسة الايرانية على حقيقتها، بالرغم من كل محاولات التحايل على الرأي العام الداخلي والخارج. وقد ظهر بوضوح ان سيل التهديدات المتكررة، التي يشنها قادة النظام، ولاسيما العسكريين منهم, ضد الولايات المتحدة الأميركية وحملات الكراهية العلنية لـ«الشيطان الاكبر»، ماهي إلا واجهة مموهة وكاذبة، للاستهلاك الداخلي الايراني, ولدغدغة مشاعر الشعب الايراني, واختراع عدو وهمي باستمرار، لابقاء تسلط النظام قائما، والشعب مشدودا اليه، بالتوازي مع تعهد غير علني من قبل الاميركيين، بالحفاظ على ديمومة النظام الايراني من المخططات والشرور الاميركية ضده, مقابل عقد الصفقات الثنائية بين ايران والولايات المتحدة الأمريكية، لتقاسم النفوذ في المنطقة العربية، والتغطية على تمركز وتسليح المليشيات الشيعية الموالية لايران فيها، وهو ما ظهر بوضوح خلال العقود الثلاثة الماضية.