د. علي القحيص : رغد.. و«العربية»
منذ انطلاق قناة «العربية» الفضائية من مدينة دبي للإعلام في مارس عام 2003، وهي مصدر إخباري مهم جداً للكثيرين، حيث ظلت تحظى بمتابعة ومشاهدة واسعين، وأصبحت أحد أهم النوافذ الإعلامية بالنسبة للعرب. ومنذ بثها الأول وإلى الآن تعاقب على إدارتها أكثر من مدير عام، ورغم تباينهم حول رسالتها الصحفية وبصمتها الإعلامية وتوجهها الإخباري وأيديولوجيتها الفكرية ومحتواها الصحفي.. فقد ظلت القناة متصفةً بالحيادية والتوازن وعدم الانصياع للخطاب الإعلامي العربي (الديماغوجي)، ووقفت على مسافة واحدة من الصراعات الطائفية والمذهبية، وربما لامها البعض على عدم انحيازها للروح المذهبية التي طغت واستشرت بعد غزو العراق، كونها قناة عربية وخليجية ومحسوبة على منطقة بعينها! في حين اعتبر البعض أنها تطرح محتوى فكرياً ورسالة إعلامية ليبراليين، جديدين منفتحين على الآخر، لذلك فهي تحظى باحترام الجميع لعدم دخولها في الصراعات بين الأحزاب والفئات المتقاتلة والمتناحرة بالمنطقة.
والآن برز نقاش جديد حول المحطة الإخبارية ومحتواها وأهدافها وتوقيت بثها مقابلة السيدة «رغد صدام حسين»، ابنة الرئيس العراقي الراحل، دون أن يكون في ذلك ما ينال من مصداقية القناة التي سبق أن استضافت الكثير من الضيوف المؤيدين للغزو الأميركي البريطاني للعراق عام 2003، والذي تلاه احتلال إيراني استهدف ضم العراق، وطمس هويته العربية وتغيير ديموغرافيته.
وتبث قناة العربية في هذه الأيام سلسلة مقابلات مع رغد التي هربت مع أبنائها إلى الأردن بعد احتلال بلدها عام 2003. وهي تظهر في هذه المقابلات رابطة الجأش متوازنة ورزينة، وعاقلة في إجاباتها وفي استرسالها في الكلام وفي تصويبها المواقفَ والأحداث، سواء تلك التي حصلت قبل الاحتلال أو بعده. وربما أرادت الضيفة أن توصل رسالتها، بعد غياب طويل، من خلال هذه الشاشة المؤثرة، بعقلانية وموضوعية، بعيداً عن التشنج والصِّدامية، لكسب رأي الشارع العراقي وتأييده، الشارع الذي هو أصلاً منقسم على نفسه بعد أن فقد الأمل في ما بعد الاحتلال، في بلد كان في الماضي قوياً ومتماسكاً ويحكمه نظام لا يؤمن بالطائفية المقيتة!
وما أن أعلنت قناة «العربية» عن موعد بث مقابلة مع رغد، حتى قامت الدنيا في العراق ولم تقعد، بسبب تضارب الآراء بين مؤيدين يطالبون بعودتها للعراق وانتخابها كشخصية وطنية لقيادة البلاد، وبين معارضين غاضبين بشدة لظهورها في هذا التوقيت وفي هذا الظرف!
ويتساءل الكثيرون، وأنا منهم: هل هو سطوة تأثير مشاهدة «العربية» وقوة نفوذها على الشارع العربي واتساع رقعة مشاهدتها، أم هو قوة وكاريزما الضيفة وما بدت عليه من قوة وتماسك؟ رغد وصفت نفسها بأنها ابنة أسياد تربت في وسط به رجال عمالقة وقادة عظام، وأنها لا تحتاج إلى تلميع أو ترويج شخصيتها.
حسناً فعلت قناة العربية بإجرائها هذا اللقاء المهم، والذي حرك سكون ساحة التواصل الاجتماعي، وأوجد ديناميكية جديدة في الآراء عبر الأثير، تماماً كما تشابكت الآراء في عام 2003 بين مؤيد ومعارض لغزو العراق، والذي ما يزال غارقاً في الفوضى والصراعات الحزبية والطائفية منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، دون أن يجد مشروعاً أو استراتيجية أو ورؤية تنقذه من محنته التي غرق فيها، ولم ينهض منها حتى الآن!