أحمد الدواس : من قَصص الحياة … رُب ضارة نافعة
التحق شاب أميركي يُدعى والاس جونسون بالعمل في مصنعٍ لنشر الأخشاب، وقضى في عمله سنوات عدة، وفي أحد الأيام فوجىء برئيسه في العمل يبلغه بأنه مطرود، وعليه أن يغادرها نهائياً بلاعودة. خرج الرجل الى الشارع بلا أمل، وأصابه الإحباط واليأس العميق، لقد أُغلق في وجهه باب الرزق الوحيد، ولم يكن لديه ولدى زوجته مصدر رزق آخر، فماذا يفعل؟
ذهب الى البيت وأبلغ زوجته بما حدث، ثم رأى أن يرهن المنزل ويعمل بمهنة البناء، وبالفعل كان المشروع الأول له هو بناء منزلين صغيرين بذل فيهما جهده، ثم توالت المشاريع الصغيرة وكثرت، وأصبح متخصصاً في بناء المشاريع الصغيرة، وبعد سنوات من الجهد المتواصل أصبح مليونيراً مشهوراً.
إنه والاس جونسون الرجل الذي أنشأ وبنى سلسلة فنادق “هوليدي إن”.
يقول هذا الرجل في مذكراته الشخصية: لوعلمت الآن أين يقيم رئيس العمل الذي طردني، لتقدمت إليه بالشكر العميق لأجل ما صنعه لي، فعندما حدث ذلك الموقف الصعب تألمت كثيراً، ولم أفهم لماذا، أما الآن فقد فهمت إن الله شاء أن يُغلق في وجهي باباً ليفتح أمامي طريقاً أفضل لي ولأسرتي.
وحتى على المستوى الشخصي ما تعتبره حظاً سيئاً قد يكون حظاً سعيداً، إذ نفترض أن رجلاً أراد الزواج من امرأة، لكنها رفضته فأُصيب بالإحباط، لكنه فيما بعد تزوج بأفضل منها، أو العكس.
كذلك على مستوى الدول، فعندما هزمت أميركا اليابان في الحرب العالمية الثانية سنة 1945، فُرضت على طوكيو إجراءات قاسية، عسكرية وغيرها، لكن القادة اليابانيين أظهروا بصيرة وحكمة بالقبول بهذه الصعوبات والمحن، فمع أنها تغلق جميع الأبواب أمام اليابان، إلا إنها فتحت أمامها باب الصناعة والتقدم العلمي، أي جعلتها تنشغل بالإنجازات العلمية، وإنشاء الصناعات، فالأزمة التي أصابتها جعلتها تخرج من بين أنقاض الحرب كإحدى القوى الاقتصادية العظمى في العالم.
وعندما تم تحطيم جدار برلين في 1989 انفتحت الأسواق أمام المستثمرين في أوروبا، وفي حرب أكتوبر 1973 رفع العرب سعر برميل النفط بشكل كبير، وهذا أيضاً سبب ضرراً على الاقتصاد العالمي من دون شك، لكن الدول الغربية أخذت تفكر ببدائل للنفط، فاكتشفت وصنعت ألواح الطاقة الشمسية، وأخذت بفكرة الاستفادة من غاز الهيدروجين في حقن محرك السيارة.
وليس في تلك القصص فقط، بل وفي الحياة لحد بعيد هناك عبر، فأهل الحكمة لايحزنون على شيء فاتهم، إذ ربما في فقدانه منفعة لهم، أراد الله أن يجنبهم ضرراً، ولا يفرحون بإفراط، ويشكرون الله دائماً على كل ما أعطاهم، وهؤلاء هم السعداء، فإن السعيد هو من يرضى بالقضاء والقدر، ويتقبل الأقدار، وقد أشار الإسلام الى ذلك
:القرآن الكريم يقول في سورة الحديد، الآية 22: “مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ”.
أي إطمئن عند استقبال الأحداث، خيرها وشرها، فلا تجزع متألماً، ولا تفرح بإفراط، فالأقدار محسوبة سلفاً.
فإن اقتنع البعض منا بما ذكرناه، ولم يندب الفرد حظه فسوف تنخفض مشاعر التوتر والكآبة، والحزن والحسد التي يعاني منها الكثيرون، أي تتحسن حالتهم الصحية.