رأي في الحدث

عثمان الماجد : مهمات السعودية العظمى

فشل إيران ومحورها فرض حربًا مع إسرائيل وتعميمها وبالاً على الدول العربية، كان له، رغم كلفة الدم المنهمر في غزة على مدى خمسة عشر شهرًا، وجه آخر إيجابي على هذه الدول تمثل ببشرى انفراط عقد هذا المحور الإيراني الذي عاث فسادًا فيها وجاء بجحافل البؤس إليها. هذه الحرب كانت لها نتائج مهمة في واقع دول هذا المحور خصوصًا والدول العربية عمومًا، فهي قضت على قوة «حزب الله» ولم يعد يشكل تهديدًا للبنانيين وبات طريق التنمية مفتوحًا أمام شعبها، وأسقطت نظام الأسد رغم أن الأفق في سوريا ما بعد الأسد ما يزال غائمًا، وأعادت الحديث عن وحدة الفلسطينيين تحت مظلة السلطة الفلسطينية في رام الله بعد مغامرة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» التي أثخنت الفلسطينيين قتلاً وفقرًا وتهجيرًا، وطرحت النظر في مسألة تغول «الحشد الشعبي» والفصائل المسلحة على الدولة العراقية، انتظارًا لما سيتخذه الرئيس ترامب، القادم إلى البيت الأبيض، من قرارات بشأنها وبشأن إيران، أي الأم التي رعت هذا المحور وقدمت له ما يمكنه من إلحاق الأذى بالدول التي ظهر فيها، لبنان وسوريا والعراق واليمن، أي الدول التي كانت إيران تتبجح بأنها تحتلها وتدير السياسة فيها بما يتفق مع مصالحها. 
في خضم هذه الحرب كانت مواقف الدول والتنظيمات السياسية في الدول العربية متفاوتة. الإخوان المسلمون وبعض اليسار كانوا من أوائل التنظيمات التي أرادت أن تستثمر في هذه الحرب بتوجيه منصاتها الإعلامية إلى التحريض وتأجيج الأوضاع الاجتماعية في داخل الدول العربية التي لم تنجر إلى المغامرة بمقدرات شعوبها، ورفضت أن تفرض عليها ميلشيا إيران الحرب عبر توظيف رخيص لاسم فلسطين لما لها من مكانة في وجدان العرب. ومن الدول العربية الكبرى التي نالها الرشق الإعلامي المنفلت المملكة العربية السعودية، الدولة التي كانت، من قبل الحرب وأثنائها وبعدها، على تماس مع الدول الكبرى والفاعلين الدوليين لوقف الحرب والبحث عن السلام، والتفكير مليًا في مسألة حل الدولتين، ومعالجة ما ترتب على هذه الحرب من واقع جديد على الأرض مستخدمة لذلك دبلوماسيتها ونفوذها السياسي والاقتصادي، وثقلها الاستراتيجي في مختلف السياسات الدولية. 
المملكة العربية السعودية لا، ولم تتأخر يومًا عن أن تكون حاضرة في كل القضايا العربية عنصرًا مسهلاً لإيجاد الحلول أسواء كانت سياسية أم دينية أم اقتصادية أم عرقية، وهذا تاريخ مديد لا يجوز نكرانه، ولا يمكن لأي كان أن يتجاهله، فأيادي المملكة العربية السعودية البيضاء تُدرك بوضوح في كل ما سارعت إلى إيجاده من حلول ناجزة لمختلف الإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أصقاع متنوعة من العالمين العربي والإسلامي، من فلسطين إلى بورما إلى السودان إلى الصومال، ففي لبنان وقفت السعودية وقفة حازمة حاسمة بعد الدمار الإسرائيلي وعملية التهجير من الجنوب ويسرت انتخاب رئيس جديد لبناني لحمًا ودمًا ووجهت إلى اختيار رئيس وزراء جديد من خارج منظومة الأحزاب الطائفية الكلاسيكية التي كان لها دور ما في تغول حزب الله وتعطيله دواليب عمل الدولة اللبنانية، وفي سوريا هبَّت السعودية إلى مساعدة سوريا على تجاوز الصعوبات الاقتصادية والسياسية التي خلفها نظام الأسد، وليس هذا إلا غيضًا من فيض؛ ذلك أن قدر المملكة العربية السعودية أن تلعب دائمًا دور القائد لمواجهة مختلف التحديات سواء فيها تلك التي كانت سببًا للحرب أو تلك الناشئة بسبب من الحرب. 
مشكلة سوريا ليست كما هي المشكلة اللبنانية؛ ذلك أن في سوريا مرحلة انتقالية بعد حكم بشار الأسد المتخم بالانتهاكات الحقوقية والعنصرية الصارخة، تقتضي مزيدًا من الوقت قدرها رئيس العمليات العسكرية، أحمد الشرع، بثلاث سنوات لإعادة ترتيب الأولويات وكتابة دستور جديد للبلاد. ويبدو أن هذه الفترة كفيلة بوضع اليد على مواطن الخلل التي ينبغي التغلب عليها مثل السيطرة على حدود البلاد وضبط الأمن وصيانة الأمن والحفاظ على الوحدة الوطنية. ففترة الثلاث سنوات مهمة لإرساء الأمن والسلام ولمعرفة طبيعة النظام الجديد الناشئ في سوريا، وتبين سياساته الداخلية وما تحمله من مشروعات لسوريا الغد واتجاهاته في التعامل مع القضايا الخارجية وخاصة منها عودة سوريا إلى عمقها الاستراتيجي العربي ومدى مراعاتها قواعد حسن الجوار في التعامل مع محيطها الإقليمي الممتد من تركيا شمالاً إلى الأردن وفلسطين المحتلة جنوبًا ومن العراق شرقًا إلى لبنان وإسرائيل غربًا. 
أما في لبنان فهناك دولة قائمة وكان أحد أطراف العملية السياسية هناك، وهو «حزب الله» هو المعطل لمؤسسات الدولة، وهو من أدخل البلاد عنوة في أتون حرب مكلفة لم يردها الشعب اللبناني، وهو من كان من يصفي المعارضين له والرافضين لهيمنته. اليوم هذا الحزب اندحر في الحرب وفُرض عليه الارتهان لحجمه لا يتجاوزه وعدم السماح بتعطيل البلاد أكثر مما فعل في السابق، فبعد أن حاول جريًا على عادته المستمرة منذ سنوات أن يمارس نفس الدور وقفت الأحزاب السياسية الممثلة للطوائف اللبنانية وبمساعدة من دول فاعلة في الشأن اللبناني وعلى رأسها المملكة العربية السعودية في وجهه، ورفضت أن يعود كما كان في السابق صاحب القرار في تحديد مستقبل لبنان إذ قدمت السعودية للبنان المساعدة لانتخاب رئيس للبلاد ورئيس للحكومة لا يستطيع الحزب التأثير عليهما كما كان يفعل قبل الحرب إبان الرئيسين ميشيل عون ونجيب ميقاتي. ومبدئيًا نستطيع القول إن لبنان قد وضعت على الطريق الصحيح لبدء مشاورات اختيار أعضاء الحكومة لإعادة بناء الدولة على أساس اتفاقات الطائف التي انقلب عليها «حزب الله» وحلفاؤه. 
أدوار المملكة العربية السعودية، بل سمها مهماتها إن شئت، كما وصفها الكاتب الصحفي سمير عطا، كبيرة وفاعلة في المجتمعين العربي والإسلامي، فإلى جانب ما عرضنا من ملامحها توجد مهمات أخرى مستمرة تعمل عليها المملكة دون كلل أو ملل في كل من فلسطين والعراق واليمن والسودان… وغيرها من الأقطار العربية التي لا يمكنها أن تستغني عن الدور السعودي فيها، ولا يمكن لها أن تُحافظ على توازنها واستقرارها واتجاهها الحالم إلى مستقبل أفضل من دون دور سعودي. بحق إنها السعودية العظمى.

*الايام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى