أحمد الجارالله :أولُ الغيث قطرة… ثم ينهمرُ
لأنَّ لا أحد فوق القانون، كما أكد صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، وسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، في مناسبات عدة، شكّل القبض على وزير الدفاع والداخلية السابق الشيخ خالد الجراح، ووكيل وزارة الدفاع السابق جسار الجسار، في قضية صندوق الجيش وإحالتهما إلى أمن الدولة بأمر من محكمة الوزراء، أكبر دليل على أنَّ هذا الالتزام السّامي قد وُضع موضع التنفيذ، وعلى الفاسدين تحسُّس رقابهم؛ كي لا يعتقد أحدٌ أنَّ هناك خيمة حماية على كبير أو صغير، شيخاً كان أو مواطناً، وزيراً حالياً أو سابقاً أو مجرد موظف عادي.
هذه القطرة من أول الغيث استقبلها الكويتيون بكثير من الارتياح؛ لأنها تُشكِّل نافذة أمل للخروج من نفق فساد أنهك الدولة، وعمَّق أزمتها المالية بسبب الإهمال الرقابي الذي جعل بعض المسؤولين يتجرأون على استباحة حرمة المال العام، ويستغلون مناصبهم لخدمة مصالحهم، مُتصوِّرين أنهم فوق القانون.
منذ سنوات يدور الكلام همساً، ومرات عدة بأعلى الصوت، بشأن ارتكابات مالية في وزارتي الداخلية والدفاع، المفترض أن تكونا فوق الشبهات؛ لأنهما تُشكِّلان السور الأمني لحماية الوطن وصيانة أمن المواطن وحقوقه، ولأننا “كلنا عيال قريّة وكلن يعرف خيّه”، فإن الفاسد معروف وهو يكشف عن نفسه منذ اللحظة الأولى لتوليه منصبه.
لم تكن هناك فضيحة رشوة أو فساد إلا ولها أساس حقيقي قوي، فلا دخان من غير نار، لكن للأسف لم تكن هناك محاسبة جدية لوقف استباحة المال العام والمؤسسات عند حد، وهو ما كاد يجعل المواطن يفقد ثقته بالدولة، فبات الجميع يعمل بمبدأ “أنا ومن بعدي الطوفان”، ولهذا رأينا فساداً “لا تحمله البعارين” في كل مؤسسات الدولة، لكن بارقة الأمل التي أطلقتها محكمة الوزراء مؤشرٌ على أن ساعة المحاسبة أزفت.
ربما أتى هذا الإجراء متأخراً، إذ لو كانت الدولة سلكت الطريق التي سار فيها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل نحو ثلاث سنوات، حين لم ينتظر دورة مستندية طويلة لمعالجة آفة الفساد، فاستدعى نحو 360 شخصاً إلى فندق “ريتز” في الرياض وقدَّم لهم الأدلة على فسادهم المتراكم منذ عقود، وكلف ميزانية المملكة منذ العام 1980 عشرة في المئة سنوياً، كانت تذهب إلى جيوب الفاسدين، فاستطاع بأسابيع قليلة إعادة مئة مليار دولار، إضافة إلى مئة مليار أخرى تعمل الأجهزة المعنية في المملكة على تحصيلها، لكانت الكويت وفرت الكثير على نفسها.
نعم، إن خطوة محكمة الوزراء مشجعة جداً، لكن لا بد من استكمالها بخطوات أخرى، أولاها محاسبة الذين قصروا وأهدروا المال العام خلال جائحة “كورونا”، فما تكشَّف من فضائح في هذا الشأن يُمكن اعتبارُهُ أكبر دليل على أن الفاسدين يستغلون كلَّ شيء لمصلحتهم، حتى لو كان وباء، وهذا أبشع أنواع الفساد، بل إن هناك فساداً مقنناً غير منظور، وهو مضاعفة كلفة المشاريع أربع أو خمس مرات التي يتفق عليها الفسادون، وهو ما يُكبِّد الدولة الكثير من الملايين، لكن لا أحد يُحاسب عليه.
للأسف كانت دائماً طيور الصفقات تطير بأرزاقها بعدما تسمن من أكل السحت، لكن الخطوة الكبيرة التي أقدم عليها المرحوم الشيخ ناصر صباح الأحمد وضعت النقاط على الحروف بكشفه صفقات عدة كانت تعقد بليل في بعض الوزارات، وهو ما قاد إلى فتح هذا الملف الكبير، الذي نأمل أن يكون بداية على أمل أن تتعافى الكويتُ من وباء الفساد الذي يكادُ يفتكُ بها.أ