أحمد الجارالله : “طوز” سياسي يعمي البصر والبصيرة
منذ بدء الفصل التَّشريعي الحالي، وحتى في الوقت الضائع للفصل السابق قبل الانتخابات، لم تبرز بارقة أمل واحدة تدلُّ على أنَّ هناك سعياً حقيقياً لوضع البلاد على سكة النهوض، بل كلُّ ما يجري هو المزيد من الغرق في أوهام صراع لا محلَّ له من الإعراب، غير أنه يجرُّنا إلى الهاوية في حال استمر من دون مواجهة حاسمة.
الواضحُ أنَّ مجلس الوزراء الحالي، والذي سبقه، ومنذ بداية أزمة “كورونا”، مرتاح لهذا الفراغ، إذ يُخفف عنه وطأة المسؤولية والمحاسبة ويكفيه شر الاستجوابات، فيما السؤال الذي يشغل غالبية الكويتيين: هل الوضع سليم؟ وهل يُمكن لدولة أن تنهض فيما مؤسساتها مُعطلة، فلا الحكومة التي كانت ولادتها متعسرة قادرة على العمل؛ لأنها لم تنل ثقة المجلس بعد، ولا الأخير يبدو أنه مستعد لممارسة دوره قبل أن يحسم معركة “داحس” العفو و”غبراء” قانون المسيء، الذي تحوَّل في اليومين الماضيين قميص عثمان؛ لأن حكم المحكمة الدستورية لم يكن على هوى النواب، أو يثأر بعض نوابه لما زعموا بأنه خروج على إرادتهم في انتخابات رئاسة المجلس؟
إلى اليوم لم نسمع ما يُطمئن ويدلُّ على النية للخروج من النفق، خصوصاً الاقتصادي والمالي، بل إن هذا الوضع الشاذ تسبَّب بأزمات كبرى لدول عدة، فاحتدام الجدل حول شؤون ليست ذات أهمية كبرى مقارنة بحال الشلل التي تُعانيها البلاد تدلُّ على إفلاس حكومي ونيابي، وغياب الرؤية بسبب ذلك “الطوز” السياسي الذي يعمي البصائر والأبصار.
لا شكَّ سيخرج علينا من يقول إن المجتمعات الديمقراطية تمرُّ بهذا النوع من الأزمات، لكن بعد ستة عقود على الديمقراطية، التي لم نعرف كيف نُطبِّقها، وصلنا إلى الحضيض، اجتماعياً واقتصادياً، ولم نَرَ منها إلا الصراعات على المصالح الشخصية.
ماذا قدَّمت لنا الديمقراطية؟
زادت من الانغلاق الاجتماعي بمنع الاختلاط في الصفوف الجامعية والثانوية، بينما الطلبة يختلطون في الردهات والملاعب، وأمعنت في التضييق على وسائل الترفيه والسياحة، وحصرت الثقافة بمنظور قوى سياسية مُتخلفة، فانبرى نائب مُحذِّراً من “دخول جلال الدين الرومي -المُتوفَّى منذ مئات السنين- البلاد”، فيما أصبح هذا النائب لاحقاً وزيراً للإعلام ومُشرفاً على المؤسسات الثقافية.
كلُّ هؤلاء لعبوا بالمجتمع الكويتي إلى حدٍّ جعله غير قادر على تأدية الرسالة التي وُضع من أجلها الدستور، الذي لايزال يعتبر متقدماً جداً، إذا طُبِّق بحذافيره.
المشهد الكئيب الذي عليه الكويت، اليوم، يحتاج نظرة حسم وحزم من ولي الأمر، فإما حكومة تحكم وتدير البلاد، وإما يُترك الأمر لمجلس الأمة يتصرف على هوى نوابه، فتضيع “الطاسة” عندها ونصبح تحت رحمة أولئك الذين هم على استعداد لتدمير البلاد من أجل حفنة أصوات تُدخلهم فردوس النيابة، فيما يُرمى الكويتيون في جحيم الأزمات.