الرسالة الخطأ .. أردوغان المرتبك أمام السعودية : غير معروف يد منْ في جيب منْ .. الطائرات المسيرة عرض تركي وليس طلبا سعوديا.
*العرب – أظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ارتباكا ملحوظا في تصريحات عن السعودية، وتحدث عن “غير معروف يد منْ في جيب منْ”، مع إشارة إلى موقفين متناقضين يخصان التوازنات العسكرية في المنطقة هما طلب سعودي لشراء طائرات مسيرة من تركيا وآخر يتعلق باحتجاج أنقرة على مشاركة الرياض في مناورات جوية مع اليونان في شرق المتوسط.
وقال أردوغان خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس المجلس الرئاسي البوسني ميلوراد دوديك إن بلاده تلقت طلبا من السعودية بخصوص الطائرات المسيرة المسلحة، متابعا في الوقت نفسه “إلى جانب ذلك، كما تعلمون السعودية هنا، ويجري الحديث عن إجرائها مناورات مشتركة مع اليونان”.
ونفت مصادر سياسية سعودية ما أورده أردوغان من أن الرياض قدمت طلبا لبلاده للحصول على طائرات تركية مسيرة، وهو ما أكده السياسي التركي إيدن سيزر في تصريح لـ”العرب” بأن العرض كان من الرئيس أردوغان على العاهل السعودي.
وذكرت المصادر أن أردوغان هو مَن عرض بيع الطائرات المسيرة على العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في مكالمة هاتفية تمت بينهما قبل ثلاثة أشهر.
وأكد يشار ياكش وزير الخارجية التركي الأسبق أن أردوغان طالما تمنى تزويد السعودية بالطائرات المسيرة لتحسين العلاقات معها.
وقال ياكش في تصريح لـ”العرب” إن “أردوغان شعر بأن عزلته تتفاقم بالتزامن مع وصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، مما دفعه إلى إعادة حساباته والانفتاح على السعودية ومصر وإسرائيل”.
وكان أردوغان قد عول كثيرا على موقف الإدارة الأميركية الجديدة في التركيز المحرج على السعودية وأراد أن يستثمر في كشف تقرير المخابرات المركزية الأميركية “سي.آي.أي” عن تفاصيل مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي بالأساس يعتمد على المعطيات التركية وملفات فيديو وصوت تم التقاطها من أجهزة رصد تركية في القنصلية السعودية في إسطنبول.
لكن التقرير الذي أحدث ضجة إعلامية كبيرة مر دون أن يغير الكثير من أسس العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، وجاء مترافقا مع لحظة تهدئة استثنائية مع قطر وماكنتها الإعلامية الضخمة.
وتشارك مقاتلات سعودية من طراز “أف – 15 سي” مع أطقمها الكاملة منذ أيام في مناورة تدريب مع اليونان في جزيرة كريت بشرق المتوسط.
وعزا السياسي التركي إيدن سيزر موقف أردوغان المتودد للرياض إلى الوضع الاقتصادي المتردي الذي تمر به تركيا وضغوط إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الأمر الذي يدفع أنقرة إلى الانفتاح على الدول الأخرى وتقليل الأعداء.
وعبر سيزر في تصريح لـ”العرب” عن استغرابه من الاندفاع التركي إلى التقارب مع السعودية في وقت تقوم الرياض بإغلاق المدارس التركية ومنع استيراد السلع التركية.
وقال الكاتب السياسي التركي إرغون باباهان “علينا ألا نتفاجأ بالموقف السعودي الرافض لتصريحات السياسيين الأتراك المندفعة، بمن فيهم الرئيس ووزيرا الخارجية والدفاع، إزاء التقارب مع الرياض”.
وأضاف باباهان في تصريح لـ”العرب” “السعودية ما زالت تعيد الشاحنات التركية من الجمارك فكيف يطلبون من أنقرة طائرات مسيرة؟”.
واعتبر المحلل السياسي التركي إلهان تانير أن محاولات أردوغان للتقارب مع السعودية ومصر لا معنى لها من دون جهود دبلوماسية شاملة تكسر عزلة تركيا في المنطقة.
وقال تانير في تصريح لـ”العرب” “على الرغم من جهود أنقرة للتقارب لم ترد السعودية ولا مصر بالمثل، وبدلاً من ذلك يواصل جيران تركيا في المنطقة تقاربهم مع بعضهم البعض في قطاعي الطاقة والجيش”.
ويشير متابعون للشأن الخليجي إلى أن أردوغان أخطأ في تقدير قوة ونفوذ السعودية في السنوات الماضية حين كان يتوقع أن يبتزها من خلال ضغوط سياسية وإعلامية، لافتين إلى أن السعوديين الذين يتجنبون إصدار البيانات وخوض المعارك الإعلامية يعرفون متى يوجهون الضربة التي ترد لهم الاعتبار وتوصل الرسالة اللازمة إلى خصومهم.
ولم يكن الغضب السعودي الشعبي والرسمي على تركيا ناجما فقط عن قضية خاشقجي وما تبعها من هجمات تركية ومحاولات إساءة إلى المملكة وقياداتها، وإنما بدأ منذ أن سعى أردوغان لضرب السعودية كقوة سنية رئيسية في الشرق الأوسط والسطو على نفوذها الاعتباري من خلال التحالف مع المشروع الإيراني الطائفي، وعبر أدوات سنية مثل حركة حماس وفروع الإخوان المسلمين في المنطقة.
وسعى الرئيس التركي، الذي وصل حزبه إلى السلطة في عام 2002، إلى تصوير نفسه على أنه صاحب رؤية “يجعل تركيا عظيمة مرة أخرى” في الداخل والخارج.
وقال إن تركيا لن تنتظر بعد الآن المشاكل أو الخصوم “ليطرقوا بابنا”، مؤكدا بدلاً من ذلك أنها “ستذهب وتجدهم أينما وجدوا وطنهم وتنزل عليهم بشدة”.
ويتناقض هذا الكلام مع ارتباك وحيرة أردوغان اليوم وهو يعترف بعجزه عن معرفة “يد منْ في جيب منْ”، وبعد سنوات من حملة قادتها تركيا على السعودية لانتزاع مكانتها في العالم الإسلامي.
ويرى مراقبون سياسيون أنه في الوقت الذي لا يمكن تجاهل صخب أردوغان وعدائه فإن الرئيس التركي لا يستطيع فعل الكثير في علاقته مع السعودية باستثناء الانتظار والاحتفاظ بأفضل سلوك ممكن.