العميد الركن خالد حماده :حوثيو لبنان وجمهورية الرمان
لم يكن ينقص لبنان الغارق في التناقضات الداخلية والذي تدور حوله رحى المواجهات الإقليمية المرشحة للتوسّع، وآخرها سقوط صاروخ SA-5 الإيراني على النقب والرد الإسرائيلي بمهاجمة ناقلة النفظ الإيرانية في المياه السورية، سوى قرار المملكة العربية السعودية منع دخول إرساليات الخضار والفواكه اللبنانية إليها أو العبور من خلال أراضيها، وانضمام أكثر من دولة خليجية للقرار السعودي. إصطناع المفاجأة بالقرار من قِبل السلطة اللبنانية لم يكن موفقاً، وزجّ بعض مسؤولي القطاع الزراعي في تسويق الحجج الواهية لتبرئة السلطة والقيّمين على أجهزتها، كان كمن يحاول تغطية السماوات بالقبوات. إستحضار رواية «السكانر المعطلة» دائماً وأبداً – في المرفأ والمطار وبوابتيّ المصنع والعريضة – إذا وُجدت أصلاً، كانت قابلة للتسويق لو لم تكن صادرات لبنان من المواد المخدّرة والمؤثرات العقلية، التي ضُبطت في المملكة العربية السعودية وحدها، قد بلغت ستماية مليون حبة ومئات الكيلوغرامات من الحشيش، وهي كميات كافية لإغراق الوطن العربي بالمخدرات والمؤثرات العقلية كما قال سفير المملكة في بيروت وليد البخاري. ربما أرادت هذه السلطة البائسة إقناعنا كذلك أنّ تهريب المواشي المدعومة عبر مطار بيروت سببه تعطّل السكانر وعدم القدرة على التقاط صور للمواشي قبل المغادرة.
لا يستطيعنّ أحد من أولياء الأمر إنكار السمعة العطرة التي حازها لبنان في مجال تهريب الكبتاغون، فأجهزة مكافحة المخدرات من أميركا اللاتينية حتى أوروبا الغربية والدول العربية وأفريقيا تصدح بعشرات العمليات التي ضُبطت عند حدودها ونُسبت جميعها لحزب الله ولشبكات تمويله. طبعاً كلّ ذلك لم يغيّر في الأمر شيئاً، فالتحرير الناجز لبيت المقدس والقضاء على التطرف ومنازلة الشيطان الأكبر لا بدّ أن تمر من بوابات مصانع الكبتاغون وعبر سهول وسهاب القنب المنتشرة في مناطق سيطرة حزب الله والنظام السوري.
أما دعوة رئيس الجمورية لإجتماع المجلس الأعلى للدفاع المتعدّد الإختصاصات، للنظر في تداعيات القرار السعودي، بدلاً من دعوته لاتّخاذ الإجراءات لوقف التسيّب الأمني وانفلات الحدود وانتشار صناعة المخدرات وحماية الأمن الإقتصادي والمجتمعي، فدليل على الرغبة في الذهاب في متاهات الإلتفاف على الموضوع والإمعان في الفشل والسقوط. المجلس المجتمع لن يستطيع إصدار الأوامر الصريحة للقوات المسلّحة بمداهمة مصانع المخدرات أينما وجدت، ووقف كلّ عمليات التهريب وضبط المعابر الشرعية وغير الشرعية وتفعيل أفواج الحدود البرية التي تمتلك القدرة والإمكانات التقنية اللازمة. ثم ماذا سيقول المجتمعون للمزارعين الذين ستقضي الأزمة على مورد رزقهم، وهم موزعون على كلّ البيئات اللبنانية ومنها بيئة حزب الله؟. يدرك المجتمعون قبل أن يجتمعوا، أنّ الجنوح الخطير نحو تحويل لبنان إلى قاعدة لإنتاج وتسويق المخدرات أضحى أسلوباً للحياة، ونهجاً إقتصادياً له مبرراته الإقتصادية والسياسية والدينية، ويتنامى الدفاع عنه بطريقة منهجية بعد أن أعطاه حزب الله بعداً عقائدياً كأحد الوسائل المتاحة في الصراع المقدّس الذي تخوضه الجمهورية الإسلامية.
إنّ أيّة مقاربة لبنانية للعلاقة المتوترة مع العالم العربي، ولا سيما مع المملكة العربية السعودية، لا يمكنها أن تقتصر على معالجة تقنية لإجراءات ميدانية أو ابتداع لأُطر إدارية، بل يجب أن تأخذ بعين الإعتبار الأبعاد الثلاثية للحرب الإيرانية المفتوحة على المملكة من اليمن ودور لبنان في كلّ منها. في البعد الإيديولوجي لهذه الحرب الذي يقوم على التخوين وإطلاق الإتهامات بالتطرف والإرهاب بهدف إثارة الحساسيات واستنفار الغرائز وزعزعة الإنتماءات الوطنية الأساسية داخل المجتمع السعودي، يقدّم حزب الله منبراً مفتوحاً من خلال الخطب التي يتشاركها أمينه العام وعبدالله الحوثي في كلّ مناسبة.
وفي البعد الميداني الذي تمثّل الإعتداءات اليومية على الأعيان المدنية والمنشآت النفطية السعودية بواسطة المسيّرات أو الصواريخ مشهده اليومي، فلا ينكر حزب الله دوره في تأهيل الكوادر الحوثية وتعزيز قدراتها. أما في البعد القِيّمي المجتمعي الذي يتعرّض لثقافة المجتمع السعودي وقيّمه وتقاليده ونقاط تماسكه وقدرته على مواجهة التيارات المتطرفة ومظاهر الإنحلال الأخلاقي، فتكتسب المخدرات والمؤثرات العقلية دوراً طليعياً في محاكاة رغبات وغرائز الشباب والمراهقين وقابليتهم للإنحراف، هذا بالإضافة إلى الدور المالي الذي تلعبه تجارة الممنوعات في تأمين روافد مالية للإقتصاد الموازي. وبهذا يستحق لبنان لقب «جمهورية الرمان».
الرمان اللبناني المفخخ بالمخدرات ليس مجرد تجارة ممنوعة يجب وقفها، بل هو أحد العناصر المكوّنة للاستراتيجية الإيرانية التي تقوم على تهديد استقرار العالم العربي والتي يلعب حزب الله والحوثيين فيها دوراً طليعياً. إنّ إنتشال لبنان من هاوية العزلة والتحلّل والإنغماس في الصراعات المذهبية يجب أن يستند إلى معالجة الجوانب الإيديولوجية والأمنية الميدانية والقيمية والإقتصادية لـ«جمهورية الرمان» التي يؤسِّسها وسيحكمها «حوثيو لبنان».
*لبنان