أحمد الجارالله : انعزال القادة وانهيار الدول
في ظلِّ التقدم التكنولوجي الهائل، باتت كلُّ صغيرة وكبيرة في دول العالم مرصودة من الأجهزة كافة، ولم يعد هناك أمرٌ يخفى على المسؤولين فيها، ورغم ذلك ثمة بعض القادة العرب لايزالون يعيشون في عصر إدارة البلاد من الدواوين، وكأنَّ العالم لم يُغادر العصور الوسطى.
من كثرة وسائل الاتصال بات المسؤول، مهما كان جاهلاً بالتكنولوجيا، مُلمَّاً بالحد الأدنى من استخدام وسائل الاتصال، ما ينفي تعذُّره بعدم الاطلاع لمُعالجة ما يُواجهه شعبُهُ من مشكلات، بل إن جهله يعني بداية شيخوخة الدولة، إذ وفقاً لابن خلدون فإنَّ خراب الدول يبدأ حين يحتجب الملك عن الناس، تاركاً أمرهم للأبناء والمستشارين، وفي هذا الزمن ثمة دول زرعت سياستُها غير الواقعية بذور فنائها جرّاء اكتفاء قادتها بما يرد إليهم من مستشاريهم، فتبدأ الفوضى، ويزداد تذمر الشعب فترتفع معدلات الجريمة وتتسع رقعة الفساد.
في المقابل تزدهر الدول وتنجح كلما تقرَّب القادة من شعوبهم، واطلعوا على أحوالها، وحل مشكلاتها، فلا يكتفون بما يقرأون من تقارير، ولا ما يشاهدونه عبر وسائل الإعلام، أو التواصل الاجتماعي، على غرار ما يفعله نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، وقادة الإمارات الآخرون، الذين يفتحون أبوابهم لناسهم، ويتنقلون بينهم، يطلعون على حقيقة الوضع، وعلى هذا المنوال يُمكن النظر إلى المملكة العربية السعودية في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، كيف حققا نهضة سريعة؛ لأن ولي العهد الشاب جعل مكتبه بين الناس، ويعمل ضمن قناعة أنَّ قوة الدولة تأتي من رضا الشعب.
في المقابل، هناك في العالم العربي قادة لا يعرفون مناطق كثيرة من بلادهم، لذا لا يرون الخراب فيها، وأكوام النفايات في شوارعها، ولا يطلعون على معاناة من يعيشون فيها، وهؤلاء للأسف بدلاً من أن يتخذوا إجراءات مُناسبة لمعالجة المشكلات، أو يستخدموا هراوة الحزم في الإدارة، يستعيضون عن ذلك بالعُزلة أكثر، ويعمدون إلى نشر أكثر الأمراض خطورة على الدولة وهو التسكين بالعطاء، فتفقد الدولة المناعة، ويأخذ الهرم منها كلَّ مأخذ، فتكثر الجبايات والضرائب ويمتدُّ الظلمُ إلى حقوق الضعفاء، كما أن المرض الخطير الآخر حين يغل الحاكم يده، ويُطلق العنان للفاسدين؛ للاستيلاء على المال العام، عندها يكون قد وضع الدولة على سكة الانهيار.