سامي الريامي : صورة نمطية «مزيفة» في عقلية «مريضة»!
لا يقتصر الموضوع على كونها تصريحات غير لائقة وغير «مهذبة»، تلك التي أدلى بها وزير خارجية دولة عربية، نعتبرها «شقيقة»، بل الموضوع أكبر وأشمل من ذلك، فالوزير شربل وهبة، الذي طلب إعفاءه من منصبه، وفقاً لما أعلن، بدا أنه شخص يفتقر إلى أساسيات العمل السياسي والدبلوماسي، ولا يستحق إطلاقاً أن يرتقي لمنصب وزير خارجية، إذ لا يمكن أن تجد وزير خارجية في العالم بهذا الضعف والفجاجة، وهكذا كان شربل في اللقاء التلفزيوني الفضيحة، شخصاً سطحياً وعنصرياً، لا يتحكم بأعصابه، ولا يعرف مبادئ وأبجديات الدبلوماسية، بل لا يعرف حتى أبسط مبادئ الأخلاق العامة قبل الدبلوماسية!
الموضوع ليس في الوزير بل في «الفكر العنصري» الذي يحمله ويردده غيره للأسف الشديد، وفي دول عربية أخرى أيضاً قريبة من لبنان، جميعهم نعتبرهم نحن في دول الخليج أشقاء، في حين أنهم يضمرون ويشهرون «العنصرية» دائماً تجاهنا، ويعتقدون في قرارة أنفسهم أنهم في وضع ومستوى أعلى بكثير من شعوب الخليج «البدوية» التي يركب أهلها الجمال، ويعيشون في خيم وسط الصحراء!
إنها «عقدة التفوق» التي تسيطر على تفكير فئة عنصرية، وهذه العقدة تعمي أصحابها وتفصلهم عن الواقع والحقيقة، وهي حقيقة مرة على قلوبهم، فهم يعيشون على أوهام تفوقهم الفكري والثقافي والاجتماعي، لمجرد أنهم يرتدون «البدل» الإنجليزية، ويربطون ربطات العنق الإيطالية، ولذلك ينظرون نظرة دونية للشعوب الخليجية، على اعتبار أنها متدنية المستوى ثقافياً ومعرفياً، في مجافاة واضحة جلية للواقع والحقائق على الأرض، علماً أن هذه الفئة ذاتها تشعر بالدونية والتقزم والانسحاق أمام الشعوب الأخرى، لاسيما «الأوروبية»!
أما الحقيقة المرة التي لا يدركها الوزير اللبناني جيداً، ولا تدركها تلك الفئة ومن هم على شاكلتها، فهي أن الدول الخليجية تفوقت عليهم بمسافات تقاس بالسنين الضوئية في كل شيء. ولعل أبرز مظاهر هذا التطور والتفوق بناء دول حضارية متقدمة، تحقق الرفاه لشعوبها، حتى إن استطلاعات الرأي أظهرت ولتسع سنوات متتالية اختيار نصف الشباب العربي للإمارات باعتبارها أفضل مكان للعيش في العالم، يحدث ذلك في الوقت الذي مازالت تلك الفئة تعيش على الشعارات، وتتغذى على خطاب العنتريات، والنتيجة إخفاقات هائلة على كل الصعد. لا وجه للمقارنة بين ما جرّته تلك الفئة على شعوبها وبلدانها، وما حققه أهل الخليج من بناء وحضارة ورفاه وتطور.
نحن هنا شعوب منفتحة على العالم، لا نملك تلك «العنصرية» تجاه الآخر، لقد تعايشنا منذ عشرات السنين مع حضارات مختلفة، وثقافات مختلفة، وجاليات مختلفة، نتقبل الآخر، ونستفيد منه، لذلك نهضت الدول الخليجية، واختفى فيها مثل هذا الفكر العقيم، في حين أن هذا التجانس وهذا التعايش لا يمكن أن نراه في الدول الأخرى، لذلك مازالت العنصرية تعيش وتنمو وتسيطر على كثير من الفكر لديهم!
أصحاب هذه النظرة الدونية غالباً ما يعايروننا بالبداوة، وفي هذا جهل عظيم، فهم لم يفهموا إلى الآن أننا شعوب تفتخر ببداوتها، أولاً وأخيراً، ورغم التطور الكبير الذي اجتاح حياتنا، فإننا نجد الراحة النفسية في هذه البداوة التي لا يعرفون قيمتها، كما أن جهلهم أعمى أعينهم عن حقائق كثيرة، فدول الخليج تتمسك بالبداوة لأنها من الملامح الأصيلة لتراثنا وثقافتنا وقيمنا العريقة، ولن نتركها يوماً، لكنها في معايير التطور والتقدم والتنافسية حققت أرقاماً تنافس بها مدن العالم المتطورة. وهذا الخليجي الذي يعتقد ذلك الوزير اللبناني وغيره من تلك الفئة التي نظنها قليلة ومعزولة، أنه مجرد «بدوي» على ظهر ناقة، هو اليوم مهندس وطبيب ومثقف، بل ورائد فضاء وعالم، أما تلك «الصورة النمطية» في ذهنية ذلك الوزير ومن شابهه، فما هي إلا خيال مزيف في عقليات مريضة!