نجيب عصام يماني : عبث الصحوة ببيوت الله !
عبثت بنا الصحوة وأحدثت بدعاً كثيرة في حياتنا لم تسلم منها العبادات ولا العادات دون دليل إلا اتباع الهوى والتحكم في مفاصل المجتمع، بدّلوا كثيراً من المفاهيم المعتمدة الصحيحة في العقائد والعبادات، مما لم يأتِ به كتاب ولا سنة ثابتة عن رسول الله، زعماً منهم أنه مشروع وهو في حقيقته مبتدع مذموم، وقد حسم معالى وزير الشؤون الإسلامية الدكتور عبداللطيف آل الشيخ موضوع مكبرات الصوت بقوله (لم نمنع واجباً أو نفرض محرماً) فهي من الأمور المستحدثة لا أصل لها في شرع الله
يبقي هناك ما أحدثوه من تغيير أوضاع المصلين في بيوت الله فى بدعة مستحدثة أيضاً عكس ما بينه رسول الله عليه الصلاة والسلام من الأحكام فى المساجد.
اليوم وبعد أن تحطمت ظاهرة الصحوة وذهبت غير مأسوف عليها فالواجب أن يعاد النظر في وضع بيوت الله وما أحدثوه من مخالفة قول وفعل رسول الله في ترتيب وقوف المصلين خلف الإمام ليكون صف الرجال أولاً يليه صف الصبيان خلفه ثم يصف النساء خلف الصبيان.
وقد خالف مبتدعو الصحوة الهدي النبوي الشريف وجعلوا للنساء مكاناً منعزلاً خاصاً بهن للصلاة محجوباً عن الإمام ورؤية الصفوف، والصلاة فقط على صوت الميكروفونات في مخالفة صريحة لشرع الله.
فلا يجوز للنساء الاقتداء بالإمام وهن في معزل عنه فقد نهت السيدة عائشة (نساء كن يصلين في حجرتها) بألا يصلين لصلاة الإمام لأنهن دونه في حجاب فالصلاة بحاجز غير صحيحة فعزل النساء يمنع رؤيتهن الإمام، إذا لم ينو إمامة النساء فلا تصح صلاتهن، لأنه ليس ثمه دليل على وجودهن خلف هذه العوازل؟ ولا يصح أن ينوي الإمام إمامتهن على مجرد الشك في وجودهن خلف هذه الجدران أو في الدور العلوي من المسجد فالنية لا تنعقد ولا يصح ما انعقدت عليه من العبادة على الشك.
فبيوت الله الأصل في حقها أن يجري فيها من الأحكام ما أنزله الله وبينه رسوله عليه الصلاة والسلام فلا تفرض فيها أحكام بناءً على اجتهادات فردية كما حدث أيام (الصحوة) لا أعادها الله علينا وكانت حجتهم في وضع هذه الحواجز حجة واهية كعقولهم الخاوية وهو منع اختلاط النساء بالرجال وهو مصطلح سولت لهم به نفوسهم المريضة.
فهل خفي هذا الأمر على نبي الأمة؟ عزم نفر من الصحابة أن يمنعوا زوجاتهم من ارتياد المساجد من باب الغيرة فيمنعهم رسول الله بقوله (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ولم يأمر صحابته بوضع حواجز لعزل النساء أو يأمر بوضعهن في أدوار عليا من المسجد كما ابتدعته الصحوة ولم نقتدِ برسول الله من كيفية الصفوف في المساجد وترتيبها دون عزل بحواجز اسمنتية وصبات خرسانية وأدوار عليا.
وقد حاول سيدنا عمر أن يمنع زوجته عاتكة عن المسجد فلم تمتنع حتى قالت له بإصرار بعد أن أكثر عليها (والله لا أنتهي حتى تنهاني) فأرجعت أمرها إلى التشريع فله الكلمة الأخيرة وقد امتثل عمر فلم ينهَها بعد ذلك رغم شدة غيرته عليها لما ورد من أمره عليه الصلاة والسلام بالكف عن منعهن المساجد ولو لم يكن اجتماع النساء والرجال في حيز واحد داخل المسجد دون حواجز وعوازل تمنع رؤية الإمام والصفوف لما كان لعزم الصحابة منع نسائهم المسجد معنى.
يقول الصنعاني في سبل السلام إن الغيرة على النساء علة لا تتم إلا إذا كانت صلاتهن مع الرجال وإلا لكان الحال مثل الذي يمنع امرأته من الذهاب إلى بيت أهلها من الغيرة وليس في البيت إلا محارمها.
إن هذه العوازل والسواتر والأدوار العليا التي ابتدعتها الصحوة في بيوت الله باطلة ومحظورة شرعاً فالصفوف الأرضية للرجال إذا تقدمت عليها الصفوف العليا للنساء بطلت صلاة الرجل القائمة في الصفوف المتأخرة عنها لأن حكم الجو وما ارتفع يأخذ حكم الموقع في الأرض كالمعتمر والحاج له أن يلبس الإحرام في الطائرة إذا حاذى الميقات مثله مثل المحرم من الميقات على الأرض ومثل الذي يصلي فوق الكعبة فصلاته باطلة مثله مثل الذي يصلي داخل الكعبة فالفراغ العلوي للكعبة يأخذ حكم الكعبة، فصلاة المرأة في الدور العلوي من المسجد متقدمة عن صفوف الرجال يجعل من صلاة الرجال في موقعهم هذا باطلة وهذا جدير بإلغائها لعدم شرعيتها.
فالاقتداء بالإمام يوجب رؤيته واتصال صفوف المصلين، يقول ابن تيمية (… إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف ولكن يسمعون التكبير فإنه لا تصح صلاتهم) ويقول المرداوي على المذهب الحنبلي يشترط لصحة الاقتداء اتصال الصفوف وهذا ما خالفته الصحوة وشرعت من الدين ما لم يأذن به الله. فليت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وهي ماضية في إزالة كل آثار الصحوة وحاضنتها من الإخونج أن تعيد إلى بيوت الله أوضاعها الصحيحة حسب شرع الله.