عثمان الماجد : مسرحية الانتخابات الإيرانية
بدايةً أنوه إلى أنني لست ممن يخفي كراهيته لنظام الملالي في إيران، ولن أبذل جهدًا للدفاع عن نفسي إذا ما رأى بعضهم في هذه الكراهية تهمة؛ لأني ببساطة أعدها شرفًا، ولن أغير موقفي ولا مشاعري حتى تتغير المعطيات، وتتحول إيران إلى دولة بمقومات إنسانية في المقام الأول يكون للإنسان فيها قيمة ومعنى. وإلى أن يحين ذلك الوقت سأبقى صوتًا ضمن الأصوات التي تدين كل الأفعال الخسيسة التي يأتيها النظام الإيراني للإبقاء على نفسه ومنها مسرحية الانتخابات الرئاسية الأخيرة السيئة الإخراج التي جاءت بالسفاح إبراهيم رئيسي رئيسًا. وسأبقى على رجائي وأمنياتي في ألا يوفق كل مسعى تآمري أو تخريبي أو إرهابي أو استبدادي يأتيه الملالي وأذنابهم في المنطقة عموما وفي البحرين على وجه الخصوص.
قبل أيام جرت مسرحية «انتخابية» في إيران أفرزت، كما أسلفنا، نسخة لرئيس سيسهم بلا شك في توتير منطقة الخليج ليصدر إليه أمراضه الطائفية كما فعل أقرانه من قبل. وليس في هذا تنبؤ أو شكل ممكن من أشكال قراءة الكف، بل هو استنتاج منطقي ناجم عن معرفة بالنظام الإيراني وتجربته الثيوقراطية الاستبدادية العدوانية على مدى أكثر من أربعين عاما تتالى فيها رؤساء جاءوا «انتخابًا» رُشحوا فيه على المقاس بعد مرورهم بفلتر عصابة حماية الدستور ومعاييرها التي سطرها المرشد الأعلى بإحكام حتى لا يعتلي الرئاسة إلا ممثل ناطق بصوته فاعل بما يمليه عليه ولي نعمته؛ ولذلك لا يجوز أن نعقد العزم على أن تغييرًا ما قد يحدث في المشهد الإيراني إلا في اتجاه أسوأ، ومن ثم لا نرجو تغييرًا إيجابيًا في صلات إيران بدول جوارها. هذه وجهة نظر يشاركني فيها من يسمون الخطأ خطأ والصواب صوابًا.
ما يثير الاستغراب حول الانتخابات الإيرانية على اختلافها، سواء أكانت رئاسية أم تشريعية، هو هذا الاهتمام الذي يواكبها من الدول الغربية، أي من الدول التي لها باع في الممارسة الديمقراطية فباتت تمتلك المعايير الحقيقية للممارسات الديمقراطية ومجسات تجسيدها في الواقع. فلماذا كل هذا الاهتمام والقاصي والداني يعلم أن ما بين الديمقراطية ونظام الحكم القائم في إيران قرونًا وملايين من السنوات الضوئية؟! الاستغراب سببه مجموعة من الأسئلة الجوهرية التي تجري على ألسنة الإيرانيين والكثير من المتابعين لتطورات المجتمع الإيراني وهو في قبضة الملالي وصار لها أكثر من أربعين عاما تبحث عن إجابات وافية لها، أي منذ عام 1979 وحتى الانتخابات الرئاسية هذه التي فاز فيها، بمشيئة المرشد، من يوصف بالغلظة والشدة في مواجهة معارضيه، ومن كان عضوًا في لجنة الموت وقاضيها إبراهيم رئيسي التي فتكت بكل صوت تشتم منه شبهة معارضة حكم الملالي.
من هذه الأسئلة التي لا شك أنها غير عصية على الإجابة هذه الأسئلة: أي معنى لانتخابات تجري في نظام لا يختلف من في المغرب ولا من في المشرق على وصفه بأنه نظام ثيوقراطي طائفي دكتاتوري لا رأي فيه لمخالف؟ أي انتخابات تبنى على ثوابت استبدادية إقصائية أرسى قواعدها الخميني ويسير على نهجها خامنئي ومن سيأتي بعده؟ أي معنى لانتخابات في نظام يسير وفق إرادة شخص معمم يحيط نفسه بهالة من السلطات «فوق بشرية» يسمى مرشدًا؟ أي معنى لانتخابات يقرر فيها هذا المرشد من يحق له الترشح ومن لا يحق له؟ ولماذا تتسابق أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي في اتخاذ إجراءات عقابية ضد دول تنتهك فيها الانتخابات ويُتلاعب بنتائجها ولا يتخذ الشيء نفسه مع إيران؟ ثم عن أية انتخابات نتحدث في ظل أوضاع اقتصادية يئن فيها أكثر من 55 في المئة من الشعب الإيراني تحت خط الفقر؟ هل ستعبِّرُ هذه الانتخابات في ظل هذه الأوضاع عن إرادة حرة حقيقية وتَعْبُر بالمجتمع الإيراني من مجتمع «ثوري» إلى مجتمع مدني يتساوى فيه الناس بالحقوق وفق مبدأ المواطنة؟.
الانتخابات نتائجها معروفة سلفا، وكان المرشد قد رتب أن تكون النتيجة على هذا النحو من خلال إجراءات لا تمتّ أبدا للديمقراطية بصلة. فهل من الإجراءات الديمقراطية ومن نواميسها أن يسمح المرشد بسبعة مرشحين فقط من أكثر من 600 مرشح، ومن دون إبداء تعليل أو إيضاح لأسباب هذا الفرز، أو لنقل الإقصاء؟ في العموم هذه الانتخابات التي فاز فيها إبراهيم رئيسي لا تختلف عن أي انتخابات أخرى أجريت في طهران، فمثلما فاز رئيسي وفق مشيئة المرشد وأوامره، فإن الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، الذي ينتقد اليوم النظام، فاز بتزييف الانتخابات في عام 2009 بأوامر المرشد ووفق ما تتطلبه «الديمقراطية» الإيرانية الولائية التي يضحك بها نظام الملالي على الحكومات الأوروبية.
في ضوء الانتقادات التي ساقها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد ضد النظام الإيراني، فإنه لا ينبغي أن يتملكنا الشك أنه لو «سمح المرشد» لنجاد بخوض الانتخابات لما خرج قيد أنملة عن الذي سار عليه إبان رئاسته، فالخط هو ما يخطه مرشد «الثورة». لا يجب أن نتوقع من نظام مارق مثل النظام الإيراني أن يعدل من سلوكه لا مع الدول الكبرى، التي تتشبث به، ولا مع دول الإقليم التي تعاني منه الأمرين. ولا ديمقراطية في إيران إلا بتغيير جذري للنظام لتعود الكلمة إلى شعب سُرقت ثورته بتواطؤ من بعض الحكومات الغربية التي يكتوي بعضها اليوم بعمليات إرهابية نُفّذت في أراضيها بأيادٍ استخباراتية إيرانية أرادت التخلص من معارضي حكم الملالي الفارين إلى تلك الدول.