رأي في الحدث

أحمد الجارالله: “كبوس” أنقذ الصين و”العقال” خنق اقتصاد الكويت

إلى متى تبقى الفوضى سيّدة الموقف، ويغيب التحرُّك الجدي لحسم الأمور والخروج من نفق يزداد عتمة يومياً، فيما المستشارون الكويتيون لا يُقدِّمون ما يشفي الغليل، أو يفيد المسؤول، فهؤلاء حين يكونون في مناصبهم يُقدِّمون التقارير الفنية والآراء الدستورية التي تخدمهم، أو ما يريده الأعلى منصباً، ولمّا تتخلى الدولة عنهم، يبدأون بمهاجمتها، وهذا يدلُّ على عدم ثقة بالنفس أو قلة خبرة، ولا ولاء لهم إلا لمصالحهم؛ لأن ما ينتقدونه ساهموا هم فيه، بشكل أو بآخر، وبالتالي يكونون أشبه بمن يقتل القتيل ويمشي بجنازته.
انطلاقاً من هذه الحقيقة، فإنَّ الآراء الكثيرة اليوم بشأن تفعيل المادة 106 من الدستور، توحي وكأنَّ الأمر ارتجاليٌّ، ولم يخضع لدراسة مُعمَّقة، وبالتالي فإنَّ الذين ينتقدون أمراً أميرياً سيادياً خالصاً لسمو الأمير، إنما يريدون تشويه الحقيقة، وهؤلاء يسعون لإطالة الفراغ الدستوري عبر تأجيج الوضع أكثر.
في العام 1986 وعلى إثر الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد، والاختراق الأمني، وغيرها مما كان يُضعف هيبة الدولة، استدعى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه، رئيس مجلس الأمة، آنذاك، أحمد السعدون، وقال له: “قل لزملائك ما يحدوني على عمل شي أكرهه”، لكن يبدو أن الرسالة نقلت بشكل خاطئ، فأصدر سموه أمراً أميرياً بتعليق العمل بالدستور، وحل مجلس الأمة لأربع سنوات، كما أمر رئيس الحرس الوطني الشيخ سالم العلي بإغلاق البرلمان، ومنع أي أحد من الدخول إليه، لكن للأسف لم تستفد الحكومة، حينذاك، من الفرصة التي أتيحت لها؛ لافتقادها إلى البرنامج الإنقاذي، وهو ما يبدو عليه الوضع الحالي.
ما نحتاجه اليوم حكومة تمتلك رؤية واضحة لانتشال البلاد من أزمتها العميقة، وليس عيباً الاستعانة بخبرات أجنبية، كما كانت الحال في وضع المُخطط الهيكلي للكويت عام 1951، حين استعان المغفور له الشيخ عبدالله السالم، بالمستشارين مينوبريو وسبنسلي وماكفارين، فكانت النتيجة مدناً حديثة، كما انتهى معه السطو على أراضي الدولة، كذلك الأمر في أزمة سوق المناخ بالعام 1982 حين استدعى الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، خبراء أجانب للمساعدة على حل المشلكة، لكن للأسف لم تعمل الحكومة بالآراء التي وضعها الخبراء، وخرج وزير المالية متباهياً ليقول: “إن الحل لابس عقال كويتي”، لكن هذا العقال خنق الناس، بدلاً من أن يفرج عنهم.
للأسف في هذه المرحلة يبدو أن الاستعانة بالخبرات الأجنبية أصبحت عيباً، بسبب الأنانية المُتضخمة لدى بعض المسؤولين الذين يعتمدون على مستشارين كويتيين، هم في الأصل أصدقاء و”ربع ديوانية”، ولإدراكهم أنهم لن يخرجوا عما هو مرسوم، حتى لو كان ذلك خطأ.
لا بدَّ أن يعلم كلُّ من يعنيه الأمر أنَّ الوقت لا يرحم، والمشكلة تكبر، فيما لا تلوح في الأفق بادرة أمل، طالما بقي الوضع على ما هو عليه، ولا شكَّ أن المسؤول من يُدير السلطة التنفيذية الذي لم يُحرِّك ساكناً لمُواجهة الفوضى الحالية، بينما الحكومة والنظام يتحمَّلان المسؤولية المباشرة؛ لأنهما لم يعملا بحزم على مُواجهتها، وهي إذا أهملت لوصلت بنا الحال كما هي في العراق ولبنان وبعض الدول العربية، التي استسلمت مؤسساتُها للضَّعف حين ثارت موجة “الربيع العربي”، فسقطت في بحر القلاقل والفوضى.
الاستعانة بالخبرات الأجنبية ليست عيباً، فالذي أنقذ الصين خبيرٌ بريطانيٌّ، من أصل عراقي، وها هي اليوم قوة اقتصادية عُظمى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى