رأي في الحدث

أحمد الجارالله : العُمانيون الصّابرون يستحقون الخير

لا شكَّ أنَّ القرارات التي أعلنها السلطان، هيثم بن طارق، لمُعالجة الأسباب التي أدَّت إلى ظهور بعض الاحتجاجات النادرة في سلطنة عمان، هي تعبير واضح عن قرب هذه القيادة من شعبها وملاقاته في منتصف الطريق لحل مشكلاته، لاسيما قراره بتوفير 32 ألف فرصة للعاطلين عن العمل.
يُعْرَفُ الشعب العماني بهدوئه وحلمه، وقدرته على العمل والمثابرة، ولقد برز ذلك في العقود الماضية حين عمل على تنفيذ رؤى السلطان الراحل قابوس بن سعيد، الذي تسلَّم في عام 1970 بلداً كان يعيش في العصور الوسطى، فكان العمانيون عند حسن ظن سلطانهم، فعملوا بعزم على تحويل السلطنة درة خليجية، ومقصداً سياحياً عالمياً.
أذكر في عام 2007 حين ضرب إعصار “غونو” السلطنة، التقيت السطان قابوس، وقلت له: “شعوب المنطقة كلها تحب بلدكم، وعلاقاتكم جيدة مع دول “مجلس التعاون”، وهي على استعداد للمساعدة والدعم”، فقال: “العمانيون قادرون على تدبر أمورهم، وإصلاح ما خربه الإعصار”، وكان ذلك تعبيراً عن ثقته بقدرات شعبه، وإيمانه بأن من نقل الدولة من عصر إلى عصر لن يفت في عضده إعصار.
نشهد أنَّ العُمانيين مثابرون، غير أنَّ التطورات الاقتصادية العالمية أرخت بظلالها السلبية على هذا الشعب كما هي حال بقية شعوب العالم، ولأنَّ السلطنة كدول الخليج تعتمد في جزء كبير من دخلها على النفط، فقد عاد تدني أسعاره ببعض المصاعب المالية عليها، لكن دائماً كانت هناك حلول منصفة تجترحها القيادة، وهنا أذكر كيف أن السلطان قابوس، رحمه الله، أمر بتوفير 50 ألف وظيفة، وإصلاحات شاملة، بعد الاحتجاجات التي شهدتها السلطنة في عام 2011، وهو ما أدى إلى امتصاص الغضبة الشعبية حينها.
لا شكَّ أنَّ الوضع الاقتصادي الذي فاقمته جائحة “كورونا” أدى إلى مصاعب جديدة، كما هي الحال في دول العالم، غير أنَّ ذلك، ووفقاً لجميع المراقبين العمانيين، يمكن حلُّهُ جذرياً من خلال سلسلة إجراءات ستراتيجية، وفي مقدمها فتح كل القطاعات الاقتصادية، وتعزيز الدعم الحكومي للقطاع الخاص عبر تسهيل الاستثمار المحلي والخليجي والعربي والأجنبي لخلق فرص عمل كبيرة، وتسهيل تملُّك الخليجيين والعرب فيها على غرار ما فعلته دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية والبحرين.
تتمتع عمان بخصائص عدة تدعم الإقبال على الاستثمار فيها، أكان لجهة الشعب الذي يُقبل على أي عمل، أو المساحة الجغرافية، والطبيعة التي تؤهلها لتكون واحدة من الدول الصناعية والزراعية المتقدمة والسياحية في الإقليم.
ففي العصر الحالي بات الجميع على قناعة، خصوصاً في دول “مجلس التعاون”، أنَّ الأمن الغذائي الخليجي ضرورة ستراتيجية، والتبادل التجاري والصناعي بين دول المجلس عامل مؤثر حتى على الصعيد الإقليمي، وبالتالي فإن الانفتاح الاستثماري بات ضرورة مُلحة.
ولأنَّ الدول تعمل على استباق الأزمات، ولأنَّ المجتمع العماني يعتبر شاباً (46 في المئة) ومتعلماً (نسبة الأمية 0.7 في المئة)، فإنَّ نسبة البطالة سترتفع في السنوات المقبلة مع المزيد من الخريجين وطالبي العمل، ولذا لا يمكن معالجة أسباب هذه الظاهرة إلا بجذب المزيد من الاستثمارات العمانية وغير العمانية.
حمى الله السلطنة، وسدد خُطى سلطانها إلى مزيد من الاستقرار، فهذا الشعب يستحقُّ كلَّ الخير والتَّقدم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى