رأي في الحدث

جعفــرعبـاس : حارس الفضيلة ينتهكها

عندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المتوسطة‭ ‬اطلعت‭ ‬على‭ ‬ديون‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬‮«‬طفولة‭ ‬نهد‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬الديوان‭ ‬وقتها‭ ‬بمثابة‭ ‬مجلة‭ ‬ستريبتيز‭ ‬من‭ ‬شاكلة‭ ‬بلاي‭ ‬بوي،‭ ‬ولو‭ ‬قفش‭ ‬مدرس‭ ‬أحدنا‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬ديوانا‭ ‬لنزار‭ ‬قباني‭ ‬لضربه‭ ‬ضرائب‭ ‬الإبل‭ ‬الشاردة،‭ ‬ولهذا‭ ‬كنا‭ ‬نتداول‭ ‬الديوان‭ ‬سرا،‭ ‬وكنا‭ ‬مدركين‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬قصائده‭ ‬جرعات‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬‮«‬كلام‭ ‬السفاهة‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬العبارة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬أبناء‭ ‬وبنات‭ ‬جيلنا‭ ‬يستخدمونها‭ ‬لوصف‭ ‬أي‭ ‬كلام‭ ‬أو‭ ‬فعل‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأمور‭ ‬الجنسية‭. ‬يتلفظ‭ ‬طفل‭ ‬بعبارة‭ ‬بذيئة‭ ‬أمام‭ ‬طفلة‭ ‬فتذهب‭ ‬إلى‭ ‬أمها‭ ‬شاكية‭ ‬باكية‭ ‬بأن‭ ‬فلان‭ ‬‮«‬قال‭ ‬كلام‭ ‬السفاهة‮»‬،‭ ‬ولو‭ ‬‭ ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله‭ ‬‭ ‬ظهرت‭ ‬الفضائيات‭ ‬التي‭ ‬تنشر‭ ‬لحوم‭ ‬ذوات‭ ‬الثدي‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬على‭ ‬أيام‭ ‬طفولتنا‭ ‬وصبانا‭ ‬لاختبأ‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬تحت‭ ‬السرير‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ينزل‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬شهابا‭ ‬رصدا‭. ‬وكنا‭ ‬أيضا‭ ‬نتداول‭ ‬بعض‭ ‬روايات‭ ‬إحسان‭ ‬عبدالقدوس،‭ ‬وكأنها‭ ‬منشورات‭ ‬محفل‭ ‬ماسوني،‭ ‬فقد‭ ‬كنا‭ ‬مدركين‭ ‬أيضا‭ ‬أنها‭ ‬تحوي‭ ‬تفاصيل‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل‭ ‬الحميمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬سننا‭ ‬القراءة‭ ‬عنها‭.‬

ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬‮«‬قليلي‭ ‬أدب‮»‬،‭ ‬بالعكس‭ ‬كان‭ ‬يعني‭ ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬قبل‭ ‬قليل‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬نعي‭ ‬وندرك‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬والأدب‭ ‬الذي‭ ‬يتضمن‭ ‬الوصف‭ ‬الحسي‭ ‬لمفاتن‭ ‬المرأة‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متداولا‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬سننا،‭ ‬أي‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬نعرف‭ ‬العيب،‭ ‬ونتفادى‭ ‬أن‭ ‬ينكشف‭ ‬أمرنا‭ ‬ونحن‭ ‬نمارس‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬العيب‭! ‬وفي‭ ‬الجامعة‭ ‬زارني‭ ‬في‭ ‬غرفتي‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬صديق‭ ‬وأغلق‭ ‬الباب‭ ‬ثم‭ ‬أجلسني‭ ‬قربه‭ ‬وبدأ‭ ‬يعرض‭ ‬لي‭ ‬صور‭ ‬فتيات‭ ‬عاريات‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬بلاي‭ ‬بوي‭.. ‬انتابتني‭ ‬مشاعر‭ ‬متضاربة‭.. ‬دهشة‭!! ‬إعجاب‭!! ‬عجب‭!! ‬خوف‭!! ‬قرف‭!! ‬فرح‭ ‬طفولي‭ ‬بدخول‭ ‬منطقة‭ ‬محظورة‭.. ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬وصف‭ ‬مشاعري‭ ‬وقتها‭ ‬بدقة،‭ ‬ولكنني‭ ‬أذكر‭ ‬أمرا‭ ‬واحدا،‭ ‬وهو‭ ‬أنني‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬أتصفح‭ ‬مجلة‭ ‬فاضحة‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬أي‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬مشاهدة‭ ‬أي‭ ‬فيلم‭ ‬إباحي‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬الصرمحة‭ ‬والصياعة‭ ‬والتيه‭ ‬بالشباب‭ ‬والفتوة‭.‬

وليست‭ ‬غايتي‭ ‬إثبات‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬‮«‬على‭ ‬خلق‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬منتهى‭ ‬الاستقامة‭ (‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬لي‭ ‬صبوات‭ ‬وكبوات‭)‬،‭ ‬ولكنني‭ ‬بالتأكيد‭ ‬كنت‭ ‬ومازلت‭ ‬استنكر‭ ‬التلصص‭ ‬على‭ ‬عورات‭ ‬الآخرين‭ (‬ولعل‭ ‬بعضكم‭ ‬يذكر‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬عن‭ ‬بقائي‭ ‬نحو‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭ ‬بدون‭ ‬استحمام‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬زيارة‭ ‬لي‭ ‬للندن‭ ‬عندما‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬أقيم‭ ‬في‭ ‬سكن‭ ‬طلابي‭ ‬حماماته‭ ‬بلا‭ ‬أبواب‭ ‬حتى‭ ‬صرت‭ ‬بلا‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬ملابس‭ ‬دافئة‭ ‬تقيني‭ ‬البرد‭ ‬لأن‭ ‬جلدي‭ ‬صار‭ ‬سميكا‭ ‬بتراكم‭ ‬الـ‭…. ‬عليه‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬البرد‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬اختراقه‭.. ‬ثم‭ ‬حللت‭ ‬المشكلة‭ ‬بالاستحمام‭ ‬بالدش‭ ‬بالمايوه،‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الفجر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ينام‭ ‬قليلو‭ ‬الحياء‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يستحمون‭ ‬عرايا‭ ‬أمام‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضا،‭ ‬وافتح‭ ‬المياه‭ ‬الساخنة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الحمامات‭ ‬‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬المضمون‭ ‬‭ ‬حتى‭ ‬يتشكل‭ ‬ضباب‭ ‬كثيف‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الحمامات‭).‬

في‭ ‬إندونيسيا‭ ‬نال‭ ‬النائب‭ ‬البرلماني‭ ‬‮«‬أريفنتو‮»‬‭ ‬شهرة‭ ‬عالية‭ ‬وسمعة‭ ‬حسنة‭ ‬لأنه‭ ‬ناضل‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬لإجازة‭ ‬قانون‭ ‬يمنع‭ ‬المطبوعات‭ ‬والأفلام‭ ‬الإباحية،‭ ‬ثم‭ ‬جاءته‭ ‬الضربة‭ ‬القاضية،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬أريفنتو‭ ‬هذا‭ ‬نصير‭ ‬الفضيلة‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬للبرلمان‭ ‬ولاحظ‭ ‬أحد‭ ‬المصورين‭ ‬الصحفيين‭ ‬أن‭ ‬سعادة‭ ‬النائب‭ ‬لا‭ ‬يتابع‭ ‬النقاش‭ ‬بل‭ ‬مشغول‭ ‬بالعبث‭ ‬بالكمبيوتر‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يضعه‭ ‬في‭ ‬حِجْرِه،‭.. ‬وصوب‭ ‬بوز‭ ‬الكاميرا‭ ‬على‭ ‬النائب‭ ‬واستخدم‭ ‬آلية‭ ‬تقريب‭ ‬الصور‭ (‬زوووم‭) ‬واكتشف‭ ‬أن‭ ‬صاحبنا‭ ‬يتنقل‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬إباحي‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬الانترنت،‭ ‬وكليك‭.. ‬كليك‭.. ‬التقط‭ ‬له‭ ‬عشرات‭ ‬الصور‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوضع‭ ‬الفاضح‭ ‬ونشرها‭.. ‬الطامة‭ ‬أن‭ ‬أريفنتو‭ ‬هذا‭ ‬دخل‭ ‬البرلمان‭ ‬ممثلا‭ ‬لحزب‭ ‬العدالة‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وتعلل‭ ‬بأنه‭ ‬دخل‭ ‬موقعا‭ ‬إباحيا‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬قصد‭ ‬ولكن‭ ‬المصور‭ ‬الصحفي‭ ‬نشر‭ ‬صورا‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬يدخل‭ ‬ويخرج‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬خمسة‭ ‬مواقع‭ ‬فضائحية‭. ‬واضطر‭ ‬الرجل‭ ‬إلى‭ ‬الاستقالة‭ ‬من‭ ‬مقعده‭ ‬البرلماني،‭ ‬ولكن‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬أنه‭ ‬حوكم‭ ‬بمقتضى‭ ‬نفس‭ ‬قانون‭ ‬تجريم‭ ‬وتحريم‭ ‬الإباحية‭ ‬الذي‭ ‬ناضل‭ ‬هو‭ ‬لإجازته‭.. ‬ومن‭ ‬حفر‭ ‬حفرة‭ ‬لأخيه‭ ‬وقع‭ ‬فيها‭ ‬قبل‭ ‬أخيه‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى