رأي في الحدث

أحمد الجارالله : عباءة الديمقراطية الزائفة فضحت عوراتهم

التَّخفي خلف العباءة الشَّفافة لشعار الديمقراطية الزائفة يفضح العورات أكثر مما يسترها، والمؤسف أنَّ هذا الأمر لايزال سائداً في الديمقراطيات المُتخلفة، التي أخذت الشكل ولم تعمل وفق المضمون، والكويت واحدة منها؛ لأننا لم نعمل على تطوير بلدنا، ولم نتعلم من تجارب الدول، إذ لايزال كثيرٌ منا يرون أنفسهم أنهم يمتلكون الحقيقية المُطلقة، وأن الكويت دولة عظمى، ونتيجة لهذا الغرور يتصور هؤلاء أن العالم ينتظر ما نُقرِّره؛ كي يسير فيه.
هذه الحقيقة تعيدني بالذاكرة إلى عام 1965 حين زار الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر السعودية؛ لتوقيع “اتفاق جدة” الشهير، ويومها أجريت حواراً صحافياً، مع المغفور له، الملك فيصل بن عبدالعزيز، ومما قتله له: “لقد أعلنت الدول الكبرى تأييدها لهذا الاتفاق”. فقاطعني: “لكن هناك دولة عظمى واحدة لم ترحب به بعد”، سألته: “من هي؟”، قال: “الكويت”، فقلت: “هل هذا الكلام للنشر؟”، أجاب -رحمه الله-: “نعم للنشر”.
وسبب قوله ذلك، رحمه الله، أن الغالبية في مجلس الأمة كانت من القوميين العرب، واليساريين المتطرفين في موقفهم الداعم للقضية الفلسطينية إلى حد مهاجمة بعض دول الخليج، ونعتها بـ”الرجعية العربية”، ما أدى إلى تعكير صفو العلاقات بين الكويت وبعض هذه الدول.
في الواقع، إن هؤلاء النواب كانوا ممن يتمصلحون بتلك الشعارات ويعقدون الصفقات مع مُتنفذين معروفين في سبيل تسويق أفكارهم، لذا أغمضوا عيونهم عن مفاسد عدة، ما أسس لهذا الفساد المستشري اليوم، ومع تبدل ميزان القوى السياسية في البلاد، وسيطرة أعداء الفرح على مجلس الأمة استمرت الحال على ما هي عليه فيما يتعلق بإضعاف اللُّحمة الوطنية والخليجية، ولقد برز ذلك بوضوح في العام 2013 حين قرَّرت دول “مجلس التعاون” دعم مصر في مواجهة “الإخوان المسلمين” بعد قيام ثورة 30 يونيو، وإعلان سمو الأمير، آنذاك، الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، دعمها بأربعة مليارات دولار، يومها قدَّم نواب “الإخوان” اقتراح قانون بمنع الأمير من التبرع بأكثر من خمسة ملايين دولار لأي دولة، في محاولة منهم لوقف عملية تعافي مصر من تلك الوعكة، وهم بذلك أرادوا أن تخرج الدولة عن الإجماع بسعيهم إلى شق وحدة الصف الخليجي.
من المؤسف أن تُغرِّد الكويت خارج السرب الخليجي والدولي، وتدفع نفسها إلى العُزلة من خلال مغامرات هذه التيارات المُسيطرة عبر الديمقراطية المزيفة على مجلس الأمة، ففي الوقت الذي يتفاوض فيه الفلسطينيون، أكان في غزة أو رام الله، مع الإسرائيليين، ويسير التطبيع بينهم على قدم وساق، أيَّد المجلس تغليظ العقوبات ضد كلِّ من يُطبع مع إسرائيل، بعقوبة تصل إلى السجن المؤبد، وكأنَّ العالمَ كلَّه، اليوم، سيمتنع عن إقامة علاقات مع الدولة العبرية، لأن “دولة عظمى” اسمها الكويت أقرت هذا القانون.
لنكن واقعيين، الكويت ليست جزيرة معزولة عن العالم، ولذا من المهم أن نتعامل مع الدول وفق مصالحنا، وليس إرضاء لعواطف بعض التيارات السياسية التي تتحكم بالمجلس وأدت قراراتها وقوانينها على مدار السنوات الماضية إلى تخلف البلاد وانغلاقها، والقضاء على الفرص الاستثمارية، وهو ما بدأ يثير غضب الكويتيين الذين يكتشفون، اليوم، أنهم وقعوا ضحية ديمقراطية تقوم على التحالفات القبلية والطائفية ولعبة المصالح، وليس لها أدنى علاقة بالديمقراطية الحقيقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى