أحمد الجارالله : حين يُصبح الشيخ زنكي وليّاً صالحاً ينهق الحميرُ: يا أمةً ضحكت من جهلها الأممُ
لأنَّ العربيَّ لا يعترفُ بالخطأ، ويُكابر رافضاً تحمُّل المسؤولية، فإنه يرمي كلَّ شيء على الآخر، أو على القدر، وقد يدبج القصص؛ ليدعم تخيُّلاته.
في الشَّأن السِّياسي، عرفنا في العقود الماضية الكثير من هذه النماذج، التي تتعصب لموقفها ،سواء أكانت جماعة أم تنظيماً أم طائفة، وتقاتل من أجلها إلى حد إلغاء الآخر، الشريك في الوطن، الذي هو مُبرِّر وجودها.
وخيرُ دليل على ذلك، القصة التي تُروى عن أحد رجال الدين، الذي قال في خطبة جمعة: “إن ثلاثة لصوص سرقوا قصراً وحمّلوا ما استولوا عليه على ظهر حمار، وهربوا، فيما هم في طريقهم اتفق اثنان منهم على قتل الثالث، وفعلاً تخلَّصا منه؛ كي يقتسما الغنيمة بينهما، لكن بعد برهة راودت أحدهما فكرة أن يقتل رفيقه، ويحتفظ بالكنز وحده، وعندما هبط الليل، ذبحه”.
أضاف: “صباحاً سار الرجل في طريقه، وبينما هو يهبط منحدراً زلَّت قدمُهُ، وكُسرت رقبتُهُ ومات، فعاد الحمار بالكنز إلى القصر”.
عندها صرخ أحد المُصلين سائلاً: “إذا كان الثلاثة ماتوا، فمن روى هذه القصة يا شيخنا، هل هو الحمار؟”، فترك الخطيب المنبر وغادر المسجد والمدينة.
هذه القصة تذكرني بما يقوله بعض رجال الدين في محاولة لإقناع الناس، أكان في المساجد أو الكنائس، بوجهة نظرهم، وغسل أدمغتهم بهذه المرويات الركيكة، والأمر ذاته ينطبق على كلِّ السِّياسيين العرب، إلا مَنْ رحم ربي.
هكذا فعل “الإخوان المسلمون” في مصر، حين أرادوا تسويق محمد مرسي رئيساً، فخطب أحدُهم في ميدان “رابعة العدوية” أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- زاره في الحلم، وقال له: ليؤمكم في الصلاة مرسي المبارك من الله، فيما قال آخر: “إنَّ الرسول كان حاضراً في إحدى صلوات الجماعة، وطلب من مرسي أن يؤمَّ المُصلّين”.
وهؤلاء ليسوا أفضل من غيرهم من الخطباء السياسيين، الذين يُحاولون تأييد فكرتهم ببدعة من عندياتهم، وهي كثيرة، ومنها مسألة “الانتصارات الإلهية” التي يُكثر عملاءُ إيران في الإقليم الحديث عنها بعد كلِّ معركة.
وإذا أُحرج أو أُفحم أحدُهم هرب إلى الصمت، ومن هؤلاء، مثلاً، يوسف القرضاوي، الذي كان مُنظِّر ما سُمِّي “الربيع العربي”، فجعل من حمد بن جاسم منقذاً يستحق كلَّ الدعم والتأييد، طامساً حقيقة المُخطط الذي كان الهدف منه تحكيم “الإخوان” في الدول العربية، بصكوك الوطنية والغفران، بينما المسألة كانت لدى “المُنقذ” مجرد “بيزنس” يزيد ثروته عبر التمصلح منها، لذا سخا بالإنفاق على هذا المُخطط التَّدميري نحو 137 مليار دولار، فيما حصل هو على نحو 30 ملياراً.
حين أَسقطت ثورة الشعب المصري على حكم “الإخوان” هذا المُخطَّطَ في 30 يونيو 2013، قال حمد بن جاسم عبارته الشهيرة: “الصيدة هربت”، ناعياً فيها ما اعتبره “الإخوان” مشروع الدولة الإسلامية المقدس، وبعد هذا التحوُّل الكبير بدأت تتكشف فضائح المُخططين والمُنفذين، وراحوا يتقاذفون المسؤولية عن الإخفاق، وإذا حاول أحدُهم التملص سارعوا إلى مواجهته بالمثل الشعبي العربي: “دافنينه سوا”.
ولهذا المثل قصة مُعبِّرة، إذ يُحكى أنَّ القحط ضرب بعض مناطق الشام، التي تعتمد في زراعتها على الأمطار ثلاث سنوات مُتتالية، فجاع الناس، وهلكت البهائم، واجتمع شخصان من إحدى القرى الجائعة وأخذا يُفكران: ماذا يصنعان كي يخرجا من هذه الأزمة؟
فقال أحدُهما للآخر: “عندي حمارٌ نمتطيه؛ حتى يوصلنا إلى بلاد فيها خيرٌ ونأكل منها”.
بعد مسيرة يومين مات الحمار، وراودت أحدَهما فكرةٌ أن يدفناه، ويجعلا قبره مزاراً، ويقولا للناس إنه من الأولياء الصالحين، وحين أقبل عليهم رجالٌ من قرية مجاورة وسألوهما: لمن هذا القبر الجديد؟
أجاب أحدهما: “هذا هو الشيخ زنكي، ولي صالح، وأوصانا أن ندفنه هنا؛ لأن أهل القرية صالحون وتقاة، ولقد تحمَّلنا التعب والمشقة؛ طلباً للأجر والثواب”، فأخذ أهل القرية يهبون الأوقاف للشيخ زنكي، وصاروا يحلفون به، فيما استثمر الشخصان أوقاف “الشيخ زنكي”؛ وجرى المال بين أيديهما.
بعد مدة تذكر أحدُهم أولادَه، فسافر إليهم آخذاً المال والطعام، ومكث لديهم مدة طويلة، بعدها رجع إلى صاحبه، وطلب حصته من المال، فأعطاه مبلغاً بسيطاً، فتجادلا، فقال له صاحبه: “أقسم لك بالشيخ زنكي، إن ما أعطيتُهُ لك هو حصتك”.
فقال الآخر: “أتقسم لي بالشيخ زنكي، ونحن قد دفناه سوياً، فهو حمار، أتقسم لي بحمار؟!”.
ولأنَّ كلَّ شركاء الانقلابات والثورات العربية “دافنينه سوا”، عَمَّ الفساد، والجهل، وغياب المحاسبة، العالم العربيَّ، لكن حين تستنفر الغرائز الطائفية والحزبية يعودون إلى الاحتماء بالتعميم والتجهيل، ورمي التهم على الآخر؛ لأنَّ عزة نفس العربي تأبى تقبُّل الخطأ، لذا صدق المتنبي بقوله:
“يا أمةً ضحكتْ من جهلها الأممُ”.