رأي في الحدث

السيـــــــد زهـــــــره : ممثلون في مسرحية هزلية

الذي‭ ‬يتابع‭ ‬الجدل‭ ‬الدائر‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬حول‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬التي‭ ‬ستجري‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬يتصور‭ ‬أننا‭ ‬إزاء‭ ‬بلد‭ ‬ديمقراطي‭ ‬وعملية‭ ‬ديمقراطية‭ ‬ممتازة‭ ‬وسليمة‭ ‬تماما‭.‬

لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬بالطبع‭ ‬غير‭ ‬هذا‭.‬

تأمل‭ ‬مثلا‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭.‬

علي‭ ‬لاريجاني‭ ‬الذي‭ ‬رشَّح‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬واستبعده‭ ‬مجلس‭ ‬صيانة‭ ‬الدستور‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬الآخرين،‭ ‬كتب‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬المجلس‭ ‬يطالبه‭ ‬فيها‭ ‬بإعلان‭ ‬الأسباب‭ ‬التفصيلية‭ ‬التي‭ ‬دفعته‭ ‬إلى‭ ‬استبعاد‭ ‬ترشيحه‭.‬

من‭ ‬يقرأ‭ ‬رسالة‭ ‬لاريجاني‭ ‬ويتابع‭ ‬تصريحاته‭ ‬يتصور‭ ‬أننا‭ ‬إزاء‭ ‬عملية‭ ‬ديمقراطية‭ ‬شفافة‭ ‬وأنه‭ ‬من‭ ‬الوارد‭ ‬أن‭ ‬يستجيب‭ ‬مجلس‭ ‬صيانة‭ ‬الدستور‭ ‬ويلبي‭ ‬طلبه‭ ‬بإعلان‭ ‬أسباب‭ ‬استبعاده‭.‬

الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬أحمدي‭ ‬نجاد‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬استبعاد‭ ‬ترشيحه‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬يتقمص‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬دور‭ ‬المعارض‭ ‬العنيف‭ ‬الذي‭ ‬يكشف‭ ‬أسرار‭ ‬النظام‭ ‬وخفاياه‭ ‬ويوجه‭ ‬أقسى‭ ‬الانتقادات‭ ‬إلى‭ ‬الأجهزة‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬النظام،‭ ‬الأمنية‭ ‬وغير‭ ‬الأمنية‭.‬

أيضا‭ ‬من‭ ‬يتابع‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬نجاد‭ ‬قد‭ ‬يتصور‭ ‬أننا‭ ‬إزاء‭ ‬نظام‭ ‬ديمقراطي‭ ‬يتيح‭ ‬مساحات‭ ‬واسعة‭ ‬للمعارضة‭ ‬ولأي‭ ‬انتقادات‭ ‬قد‭ ‬توجه‭ ‬إليه‭.‬

المرشحون‭ ‬للرئاسة‭ ‬بدورهم‭ ‬أثناء‭ ‬المناظرات‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬بينهم‭ ‬أجمعوا‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬هجوم‭ ‬عنيف‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬روحاني‭ ‬وحكومته‭ ‬واعتبروا‭ ‬أنه‭ ‬المسئول‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭ ‬عن‭ ‬أزمات‭ ‬ومآسي‭ ‬إيران‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭.‬

من‭ ‬يتابع‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬يتصور‭ ‬أن‭ ‬مشكلة‭ ‬إيران‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬رئيس‭ ‬ووزراء‭ ‬غير‭ ‬أكفاء‭ ‬أو‭ ‬فاشلين‭ ‬بالمعنى‭ ‬الذي‭ ‬تحدث‭ ‬به‭ ‬المرشحون‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭ ‬جدل‭ ‬هزلي،‭ ‬وكل‭ ‬هؤلاء‭ ‬القادة‭ ‬السياسيين‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬إلا‭ ‬ممثلون‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬هزلية‭. ‬وهم‭ ‬يعلمون‭ ‬ذلك‭.‬

لاريجاني‭ ‬يعلم‭ ‬تمام‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬نظام‭ ‬استبدادي‭ ‬دكتاتوري‭ ‬الكلمة‭ ‬الأولى‭ ‬والأخيرة‭ ‬فيه‭ ‬هي‭ ‬لشخص‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬المرشد،‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه،‭ ‬وأن‭ ‬مجلس‭ ‬صيانة‭ ‬الدستور‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬إحدى‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تترجم‭ ‬إرادة‭ ‬المرشد،‭ ‬وأنه‭ ‬مجرد‭ ‬رجع‭ ‬صدى‭ ‬لصوته‭. ‬بالتالي‭ ‬يعلم‭ ‬لاريجاني‭ ‬أن‭ ‬دعوته‭ ‬المجلس‭ ‬بإعلان‭ ‬أسباب‭ ‬استبعاده‭ ‬دعوة‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬ولا‭ ‬محل‭ ‬لها‭.‬

وأحمدي‭ ‬نجاد‭ ‬يعلم‭ ‬تمام‭ ‬العلم‭ ‬أنه‭ ‬مهما‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يبدو‭ ‬معارضا‭ ‬أو‭ ‬رافضا‭ ‬للفساد‭ ‬ولما‭ ‬يسميها‭ ‬العصابة‭ ‬الإجرامية،‭ ‬فليست‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬مصداقية‭. ‬كيف‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬مصداقية‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬رئيسا‭ ‬لإيران‭ ‬مدة‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬كاملة‭ ‬خدم‭ ‬فيها‭ ‬بإخلاص‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الاستبدادي‭ ‬الدكتاتوري؟

والمرشحون‭ ‬الذين‭ ‬يحمّلون‭ ‬روحاني‭ ‬وحكومته‭ ‬ووزراءه‭ ‬كل‭ ‬المسئولية‭ ‬يعلمون‭ ‬كلهم‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬لا‭ ‬يمنح‭ ‬الرئيس‭ ‬ولا‭ ‬الحكومة‭ ‬ولا‭ ‬الوزراء‭ ‬أيَّ‭ ‬سلطة‭ ‬فعلية‭ ‬تتيح‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يطبقوا‭ ‬ما‭ ‬يشاؤون‭ ‬من‭ ‬سياسات،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬محاسبتهم‭ ‬أو‭ ‬تحميلهم‭ ‬كامل‭ ‬المسئولية‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬وأمثالهم‭ ‬من‭ ‬المسئولين‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬تجميل‭ ‬صورة‭ ‬النظام‭ ‬سواء‭ ‬قصدوا‭ ‬هذا‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يقصدوا‭. ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬غريبا‭ ‬عليهم،‭ ‬فجميعهم‭ ‬مسئولون‭ ‬كبار‭ ‬سابقون‭ ‬وحاليون‭ ‬خدموا‭ ‬النظام‭ ‬وكانوا‭ ‬شركاء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سياساته‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬الكارثية‭ ‬التي‭ ‬أوصلت‭ ‬الشعب‭ ‬والبلاد‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭.‬

كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬إلا‭ ‬ممثلون‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬هزلية‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭.. ‬مسرحية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المزعومة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬مهما‭ ‬جرت‭ ‬انتخابات‭ ‬أو‭ ‬خرجت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭.‬

الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يعلم‭ ‬الحقيقة‭.. ‬حقيقة‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭. ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إصلاحه،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬تجميل‭ ‬صورته‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬هي‭ ‬حتما‭ ‬محاولات‭ ‬فاشلة‭. ‬ولهذا،‭ ‬وبحسب‭ ‬كل‭ ‬التقارير‭ ‬والتقديرات‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬نفسها،‭ ‬فإن‭ ‬الغالبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬تعتزم‭ ‬مقاطعة‭ ‬الانتخابات‭ ‬القادمة‭.‬

الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬عبَّر‭ ‬عن‭ ‬موقفه‭ ‬ورؤيته‭ ‬بوضوح‭ ‬كامل‭ ‬حين‭ ‬رفع‭ ‬في‭ ‬انتفاضاته‭ ‬السابقة‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬يسقط‭ ‬حكم‭ ‬المرشد‮»‬‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى