رأي في الحدث

عبدالله بشارة : مع الخلان.. في وحدة الأمان

ننقل للقيادة صدق التقدير لمبادرتها في التوقيع على وضع إطار التنسيق مع المملكة العربية السعودية، وتفويض د.الشيخ أحمد الناصر الصباح، وزير الخارجية، التوقيع على النظام الذي خرج من قناعات سعودية ـــ كويتية مشتركة، ومن واقع الزخم القوي الذي يدفع بدول المجلس نحو الائتلاف الوحدوي.
جاء ذلك من وعي بضرورات التآلف مع حقائق التطوير والتجديد ومع العزم على تقوية دعائم الأمن والاستقرار لدول مجلس التعاون والحفاظ على سيادتها.

توجه منذ أسبوعين سمو ولي العهد إلى الرياض، حاملاً أحاسيس المستقبل، ليلتقي بسمو ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان ويتفقان على التوجه المشترك بين البلدين بما يلتقي مع متطلبات الزمن، ويضيف المزيد في فاعلية مجلس التعاون.

ومنها تخطو الكويت مثلما خطت قبلها الإمارات والبحرين وقطر، نحو سفينة الخلان السعودية الآمنة، وأسجل كل التقدير لهذه الزعامات التي تملكت الحصافة الأمنية التاريخية.

وتبرز هنا المملكة حاملة عقد المشاركة، وهو الأمل الجماعي، الذي يسعى كل طرف خليجي لتحقيقه ساعياً لاستقرار راسخ ولازدهار مضمون وعطاء متدفق وانفتاح متميز بالتعطش لاستيعاب المستجدات.

أكتب كمواطن كويتي عاش في المملكة اثنتي عشرة سنة، تميزت بامتيازات التواصل مع القيادة، بدأت مع الملك خالد وتمددت مع الملك فهد، مع زيارات للملك عبدالله، واستمرارية لقاءات مع الملك سلمان عندما كان أميراً للرياض.

لم تكن الرياض بهذا الزخم في الثمانينيات، كان مطارها صغيراً، وحياتها بلا ضجيج، وهي مصنع عمل متواصل مع زيارات في إطار الأصدقاء، ومما أثار انتباهي اتساع تواجد التمثيليات الكويتية في البيوت السعودية، التي كانت أهم منابع التسلية، لم أكن قبل وصولي إلى الرياض أشاهد شيئاً منها، وحين وصلت الرياض بدأ أصدقائي من موظفي الأمانة العامة يرسلون لي بعض هذه الأشرطة لمشاهدتها مساءً، ووجدت فيها فكاهة وضحكاً ودروساً، وما يلفت النظر أن الحوارات تضم مفردات كويتية بحرية، وأغاني فيها شجن البحارة وأشواقهم، مع مبالغات في التعبيرات الكويتية، وقضيت وقتاً مع «رقية وسبيكة» ومع «درب الزلق» ولوحات غنائية يقودها المرحوم «عبدالحسين عبدالرضا» وسمراء الرقة «سعاد عبدالله»، ولم أكن على علم بمتابعة المجتمع السعودي للفنون الكويتية بهذا الشحن والمتابعة.

كانت المسرحيات الكويتية وجودتها وأغانيها جزءا من السوالف في التجمعات السعودية، خاصة مع عطل نهاية الأسبوع.

في عام 1995 نشرت مقالاً استعرضت فيه المذكرات التي سجلها القنصل البريطاني في جدة السير ريدر بولارد Sir Reader Bullard عن استدعائه من قبل الملك عبدالعزيز في صيف عام 1938، ويشير القنصل البريطاني إلى أنه توجه إلى الرياض من جدة بالسيارة في رحلة استغرقت أياماً، وقابل الملك عبدالعزيز في ديوانه ولا يعرف مسببات الاستدعاء، وعندما دخل مع الملك عبدالعزيز يقول القنصل ان الملك تكلم بقوة ضد بريطانيا، لأنها لم تبعد الحشود العراقية التي وضعها العراق على حدود الكويت مهدداً استقلالها، ويطالب بسحبها وإلا فإنه سيرسل جماعته للتعامل مع هذه القوات، ويضيف القنصل بأن الملك تحدث بلهجة منفعلة وبتصميم.

وبعد يومين من نشر المقال في صحيفة القبس الكويتية، اتصل بي الأمير طلال بن عبدالعزيز من فرنسا، يسألني عن اسم الكتاب الذي نشرت فيه تلك المقابلة وأخبرني بأن سكرتيره سيتصل بي مباشرة، وهكذا وصل الكتاب إلى الأمير طلال، فهو حريص على الاحتفاظ بكل ما له صلة بالملك.

أرسل الملك عبدالعزيز، بعد انتهاء الأزمة الكويتية عام 1938، الأمير سعود، ولي العهد لينقل الدعم والمساندة إلى أمير الكويت الشيخ أحمد الجابر، وكانت تلك الزيارة تاريخية في تحديدها للمواقف السعودية تجاه الكويت، وحرصها على الحفاظ على كيانها وسيادتها نظاماً واستقلالاً.

وانسجاماً مع «العهد» الذي حفره الملك عبدالعزيز ويشكل روح العلاقات بين البلدين، كان صوت الملك سعود بن عبدالعزيز أول الأصوات التي تدين أطماع عبدالكريم قاسم في الكويت، كان ذلك عام 1961، وألحق تلك الوقفة الصلبة بإرسال ألف جندي سعودي للمشاركة في الدفاع عن الكويت، ولم يتوقف وإنما انشغل بمتابعة طلب الكويت الانضمام إلى الجامعة العربية، وكانت اتصالاته مع الرئيس جمال عبدالناصر متواصلة، فيها عتاب على الموقف المصري الذي كان يشترط على الكويت سحب القوات البريطانية قبل قبولها عضوةً في الجامعة، وفوض الملك سعود سفيره في الجامعة العربية المرحوم «طاهر رضوان» للإصرار على استعجال قبول الكويت، وقد أصدرت كتاباً اسمه «حروب الكويت الدبلوماسية» وضعت فيه كل التفاصيل بما فيها التطرق إلى جروح الكويت ومخاوفهاً انتظاراً لتحديد مصير عضويتها، وانتظرت الكويت شهراً حتى قبولها بشروط إبعاد الوجود البريطاني الذي حفظ أمن الكويت لسبعين سنة، ومع الاستقلال تعمقت خيوط الترابط وتضخمت أحبال التواصل مع المملكة التي صارت ساهراً حريصاً على الكويت، وتحولت بذلك المملكة إلى عضد الزمن ورفيق الحياة وشريك المستقبل.

كان الملك فهد حكيماً في إدارته لملحمة التحرير، أسداً في المعارضة، بليغاً في التعبير، حازماً في المواقف، حاسماً في القرار، سخياً لضمان التحرير، مرحباً بأبناء الكويت، ساعياً لراحتهم، متحملاً تكاليفهم، طالباً مني إبلاغ الكويتيين في السعودية بأنهم عائدون، فالشيخ جابر أمير الكل، ومصيرنا واحد، ولا انفصام، رهن الملك فهد كل ما تمثله المملكة وكل ما تملكه وكل ما تصل إليه من أجل التحرير، فالقيادة هي القدرة على تطويع القرار الصعب لأغراض الهدف النبيل، ولم يكن الملك فهد في مزاج للوساطات فلا حل إلا بتنفيذ إرادة الأسرة العالمية، لم تتأثر صخرة الإصرار لدى الملك فهد الذي لم تخيفه كلفة التحرير، فلم يعبأ بتهديد أو وعيد، كانت شجاعته عامل اليقين وحكمته مولد السكينة ودبلوماسيته مثال الشهامة.

وتأتي مبادرة الكويت الأمنية الشاملة تتويجاً متلاحماً عند الشدة وتفاهماً حول ممرات المستقبل، وعلاجاً لغدر الزمن، واستهدافاً لسيادة الأمن والسلام.

بصراحة تأخرت الكويت في توقيع مبادرة الخلان، وعلينا أن نرسم ملامحها الحقيقية، فهي الخيار الاستراتيجي الدائم والواعي لتعقيدات جغرافية المنطقة والعارف بتآمراتها والمجرب لخداعها، والمعالج لمخلفاتها من شهداء وتخريب وسرقات وتطاول في السفاهة والحقد.

وتبقى الحقيقة ناصعة بأن المملكة هي القطار الذي يضمنا في الحياة، إن تعطل ضعنا، وإن تأذى صرخنا، وإن تجاوز السرعة فزعنا، وان هدأ ارتحنا، فقد اعتدنا على حكمة قائدها ووثقنا بها، ويشاركنا في رحلة القطار إخواننا في الخليج بالاطمئنان إلى أن سكتنا سالمة.

أتمنى من الشيخ أحمد الناصر الصباح، وزير الخارجية وزير شؤون مجلس الوزراء أن يخرج إلى أضواء التلفزيون ليشرح التفاصيل ويعرض هوية المرحلة القادمة ويتحدث عن حصادها ويبرز أولوياتها، فقد وقع على اتفاقيات، عليه الحديث عن خطوطها العامة، وما تشكله في لائحة الآمال والأهم التعريف بهوية الاتفاق ودوره في الانصهار الخليجي الجامع وفي الربط بين الشركاء وأهميته في حفظ مسيرة المجلس ورعايتها وتأمين طريقها.

ويعرف الشيخ الدكتور أحمد الناصر ضرورات الشرح البسيط حول موضوع سيطرح بشكل مكثف في المستقبل.

في أواخر عام 1964، طلب مني المرحوم الشيخ صباح الأحمد، نقل بعض الملفات لاطلاع المرحوم الشيخ عبدالله السالم، أمير الكويت، وذهبت إلى قصر السيف، وقدمت له ذلك الملف الخاص، كان يتناول وضع اليمن آنذاك والمواجهة السياسية والأمنية بين مصر والمملكة، وجلست صامتاً بينما كان الشيخ الجليل يقرأ من ذلك الملف، انتهى من الملف وقال لي وأنا في طريقي عائداً إلى الخارجية: «اننا في الكويت مرتبطون مع المملكة، بيننا علاقات تاريخ وروابط خاصة، ونظامها باقٍ، بينما الضباط يأتون ثم يأتي غيرهم».. أتذكر ذلك القول الذي تحقق بعد وقت قصير، وتبقى معاني حكمة المرحوم الشيخ عبدالله السالم يصونها الزمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى