رأي في الحدث

عبدالله بشارة : عندما تسبح الصين في مياه الخليج

الجديد في عنوان الخليج أن الصين وجدت لها مقعداً في سابقة غير متوقعة تولدت من طموح صيني وضِيق إيراني واستغراب خليجي، فمنذ سنوات بدأت الصين في برنامج التوسع الاستثماري بمشاركة دول آسيوية وأفريقية تداخلت مع المشروع الاستثماري الصيني عبر توفير تسهيلات بحرية وبرية تمكن الصين من بناء الموانئ والطرق التي قد توصلها إلى أسواق أوروبا مروراً بأفريقيا وسواحل أميركا الجنوبية.
لم تكن توقعات الصين أن تأخذها المفاجآت إلى سواحل الخليج خلال هذه الفترة، لكن الصراعات الإيرانية مع الدول الغربية وبالذات مع الولايات المتحدة فتحت لها أبواب الوصول إلى منطقة الخليج، وبحرارة ترحيبية إيرانية رأت فيها نجدة إسعاف غير متوقعة.

Volume 0%
 
كانت عقوبات الغرب على طهران تتنوع وتتصاعد وفق حجم التوتر، الذي تفرزه المواقف الإيرانية المستعجلة في توسيع نفوذها في الخليج وفي حوض الشام وتجاه اليمن وأيضاً مستفيدة من صراعات فلسطين وحماس ومن قسوة الإجراءات الإسرائيلية، ومن عناد الحوثيين وعدوانيتهم، فلا تتردد في النفاذ من أي ثقب لبناء مواقع إيرانية قد تبعد عن طهران مخاطر المواجهات.

لم يكن للصين وجود تاريخي في الخليج، ولم تتعرف على البيئة الخليجية سوى مؤخراً، كما لم تصل منطقة الخليج التوسعات الروسية القيصرية، فحافظت المنطقة على علاقاتها مع بريطانيا من القرن التاسع عشر حتى الأمس القريب، ولم يأتِ زائر كبير بطموح ضخم لا من آسيا ولا من روسيا، حيث ظلت على استقرار مع بريطانيا بسبب تلاقي المصالح وتقبل الترتيبات الأمنية التي لم تكن غليظة، ولم يصل إلى المنطقة ضيف من الخارج قد يشكل تهديداً لمصالح حلفاء الخليج من بريطانيا أو الولايات المتحدة.

ويمكن القول إن الظروف وفرت للصين دعوة مريحة من إيران لاستضافتها على جزء من جزرها في الخليج تنشئ عليها موانئ ومخازن وطرقاً تؤدي إلى حمل الصين – بكل طموحاتها – إلى أسواق أوروبا.

جاءت دعوة إيران للصين من ضيق سياسي وحاجة للدعم المالي الذي تحصل عليه من ضمان صيني لاستيراد النفط الإيراني، يمكِّن طهران من إفشال آليات الحصار التي يفرضها الغرب لا سيما أميركا، وأكثر من ذلك، يمنحها الحماية السياسية من أي إدانة في المنابر الدولية، ويصون سمعتها من تلوث الاتهامات، ومن غلاظة الإجراءات، ومما يزيد من انشراح إيران لهذه الترتيبات التي دبرتها مع الصين، أن هناك طرفاً ثالثاً يراقب بسعادة ويدقق بانشراح يقطن الكرملين، ويتابع مشاركة الصين في توفير المناعة الإيرانية، بيقين أن إيران قادرة على تجاوز الأضرار وأن سجلها جدير بفرص حسن النوايا مع تفهم وضعها الداخلي المضطرب.

لكن الخطر الذي لا بد أن يتابعه مجلس التعاون من هذا التكتل أن تنغمس إيران في حملها مشاعل الثورة ونصرة المستضعفين بأن يصل الأذى إلى حد يصيب مجتمعات الخليج، لا سيما عند تحركات المساعي الدولية ضد إجراءات إيران نحو دول الخليج الأمر الذي سيدفع المنطقة إلى بعث دبلوماسية البوارج Gun Boat Diplomacy التي كانت سائدة في القرنين الماضيين.

ما أهداف الصين من مبادرة الحزم والطريق؟

هنا تتنوع الأهداف التي تشكل شحنة كاملة من الطموحات، منها: الوصول إلى أسواق العالم، تصديراً واقتباساً من أجود التشكيلات في التكنولوجيا التي تحتكرها الشركات العملاقة، لا سيما في الولايات المتحدة، وكذلك فرض تواجد صيني في التجارة العالمية بنفوذ يتمدد باستمرار، مما يدفع العالم ليعي حقائق الصين في تنوعها، بابتكاراتها وانجازاتها وأثقالها السكانية وتحركاتها الجغرافية وحضورها في الملفات المالية لمعظم ميزانيات دول العالم.

جاء الانتشار الصيني من بلورة رؤية صينية للخروج من الحدود المتوارثة نحو الانطلاق إلى العالم بعد أن تمكنت الصين من توفير صناعات عالمية صاغتها الصين بأسلوب يخلو من التعقيدات التكنولوجية وبأسعار مغرية، وبسهولة للصيانة، وطريقة تسويق فيها قناعة الصابر والمثابر المؤمن بأن نجاح الصناعات لن تتوقف أمام الاعتراضات الأميركية.

منذ فترة قام وزير خارجية الصين بزيارة عمل إلى الرياض، حيث تحاور مع المسؤولين حول إمكان التعاون مع المملكة العربية السعودية في إطار مبادرة الحزام والطريق، قبل أن يتوجه إلى طهران ليوقع اتفاقا استراتيجيا تجاريا حصلت بموجبه الصين على جزيرة إيرانية في بحر الخليج. لتكون منطلقاً نحو وصولها إلى أوروبا عبر الأرض الإيرانية، فلم يسبق لمياه الخليج خبرة في التعامل مع البحرية الصينية.

جاءت في رؤية الكويت 2035، الإشارة لإنشاء مدينة في الشمال مع تطوير الجزر، لكن هذه الأفكار لن تتحول إلى واقع طالما استمر التوتر بين إيران والدول الغربية، لا سيما مع الولايات المتحدة، واستمر العراق في حالة الاضطراب التي رافقته منذ سقوط النظام السابق، مع فشل المفاوضات بين الدول الكبرى وإيران حول المشروع الإيراني النووي.

هل يمكن للصين أن تبقى بمعزل عن النزاع الأميركي ــــ الإيراني، بعد أن خطت كل هذه المسافة في علاقاتها التجارية والسياسية مع إيران؟

وقعت الصين اتفاقية لمدة عشرين سنة مع إيران حصدت منها إيران ضمان تصدير النفط للصين، وتوظيف عوائده مع تحالف يضم كلاً من الصين وروسيا سيقدم دعماً ومساندة لإيران.

لم تعد الصين كما عرفناها منذ سنوات، تغير نهجها في مجلس الأمن حيث صوتت مع روسيا لمصلحة سوريا عشر مرات، بعد أن زال التردد في اللجوء إلى الفيتو، واشتبكت الصين في فصل حماية المصالح والدفاع عن التحالفات ووقاية مناطق نفوذها من تسلل الخصوم، فالصين عاصفة تجارية قادمة، تبقى عقدة سياسية دائمة، وطموحات إستراتيجية حالمة، واندفاعات استثمارية هاضمة، ومن هذا التصور فلا ضمان ببقاء الخليج محصناً من الاضطراب مع بقاء المواجهة بين إيران والولايات المتحدة، وأيضاً لا ضمان بأن إيران ستتوقف عن التحرش في الشؤون الداخلية لدول الخليج انسجاماً مع المفاهيم المتوارثة، التي يرددها المرشد في طهران.

في البيان الختامي الذي صدر من لندن بعد اجتماع الدول السبع، إشارة قوية إلى مخاوف الغرب من برامج الصين، لا سيما في حصانة الأمن السيرياني ــ Cyber Security، واحتمالات اختراق أسرار الحكومات الغربية وكشف نواياها، مع تشدد أوروبي ــ أميركي في مواجهة روسيا تحضيراً للقاء التاريخي بين الرئيس بوتين والرئيس الأميركي بايدن، مع مؤشرات نحو التباعد والمواجهة في أجواء تستذكر توترات الحرب الباردة التي انتهت في التسعينيات، وهو أمر يحول الوجود الصيني في الخليج إلى مسببات إزعاج وتوتر يبدد سكينة المنطقة.

هناك أيضا مخاوف من احتمال تكرار ما حدث لمشروع الصين في سيريلانكا التي اقترضت من الصين لإنشاء ميناء في شمال الجزيرة محاذياً لأراضي الهند، لكن حكومة سيريلانكا عجزت عن تسديد القرض، فما كان من الصين سوى الاستيلاء على الميناء الذي بنته لمصلحة سيريلانكا، وتكرر السيناريو نفسه في إحدى الدول الأفريقية، الأمر الذي دفع واشنطن إلى اتهام الصين بما يسمى السخرة.

ومهما تصورنا باستبعاد بروز هذه الظاهرة في الحالة مع إيران، فلا ضمان بقدرة إيران على الوفاء بالتزاماتها إذا ما تواصلت العقوبات عليها مع زيادات محتملة.

وماذا ستكون حالة الخليج إذا ما أطبقت الصين على الجزيرة الإيرانية، وحولتها لقاعدة بحرية، ففي عالم تنكمش جغرافيته وتتداخل مصالح سكانه، لا يوجد المستحيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى