رأي في الحدث

السيـد زهـــره : قرارات لإنقاذ تونس

الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬اتخذ‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬الحاسمة‭ ‬فاجأت‭ ‬الكل‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬إقالة‭ ‬الحكومة‭ ‬وتجميد‭ ‬عمل‭ ‬البرلمان‭.‬

أثارت‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬جدلا‭ ‬واسعا‭ ‬وخلافات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وخارجها‭.‬

الذي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقيّم‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬ويضعها‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬الصحيح‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬التونسية،‭ ‬مصلحة‭ ‬الدولة‭ ‬والشعب،‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬مبدئيا‭ ‬أمرين‭:‬

الأول‭: ‬أنه‭ ‬فور‭ ‬إعلان‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬خرج‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬تأييدا‭ ‬لها‭ ‬وابتهاجا‭ ‬بها‭.‬

يخطئ‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬ومغزى‭ ‬هذا‭ ‬التأييد‭ ‬الشعبي‭.‬

والثاني‭: ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬بادروا‭ ‬فورا‭ ‬برفض‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬وأثاروا‭ ‬ضجة‭ ‬حولها‭ ‬هم‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمون‭ ‬ممثلون‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬والموالون‭ ‬لها‭.‬

هؤلاء‭ ‬بالذات‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬حمّلهم‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬مسؤولية‭ ‬الأوضاع‭ ‬الكارثية‭ ‬المتردية‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إليها‭ ‬البلاد‭. ‬ومنذ‭ ‬أشهر‭ ‬طويلة‭ ‬تطالب‭ ‬قطاعات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬بإزاحتهم‭ ‬من‭ ‬السلطة‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬اتخذ‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬تحت‭ ‬الضغط‭ ‬الشعبي،‭ ‬وبعد‭ ‬اليأس‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تنصلح‭ ‬الأمور‭.‬

ولنلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬اتخذ‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬يوم‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬العارمة‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬تونس‭ ‬مطالبة‭ ‬بوضع‭ ‬حد‭ ‬للشلل‭ ‬والتصدي‭ ‬لأزمات‭ ‬البلاد‭ ‬الطاحنة،‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬اقتحم‭ ‬متظاهرون‭ ‬مقارا‭ ‬لحزب‭ ‬النهضة‭ ‬وأحرقوا‭ ‬بعضها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مؤشرا‭ ‬لاحتمال‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬الأمور‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬وأن‭ ‬تغرق‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬المواجهات‭ ‬والفوضى‭ ‬والاضطرابات‭.‬

الإخوان‭ ‬المسلمون‭ ‬يتهمون‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬بأنه‭ ‬نفذ‭ ‬انقلابا‭ ‬ضد‭ ‬الثورة‭ ‬وضد‭ ‬الشرعية‭ ‬الدستورية‭ ‬والبرلمان‭ ‬المنتخب‭ ‬ديمقراطيا‭.‬

هم‭ ‬يستنسخون‭ ‬نفس‭ ‬خطاب‭ ‬الإخوان‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬حين‭ ‬أطاح‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬والجيش‭ ‬الذي‭ ‬انحاز‭ ‬لإرادة‭ ‬الشعب‭ ‬بحكمهم‭. ‬ملأوا‭ ‬الدنيا‭ ‬ضجيجا‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬وعن‭ ‬الشرعية‭ ‬الدستورية‭.‬

الإخوان‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬هم‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬يحق‭ ‬لهم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬للبرلمان‭.‬

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬تهيمن‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وتهيمن‭ ‬على‭ ‬البرلمان‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الهيمنة‭ ‬تم‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬معنى‭ ‬للثورة‭ ‬أو‭ ‬للإصلاح‭. ‬غرقت‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬وأقسى‭ ‬أزمات‭ ‬تواجهها‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭.. ‬أزمة‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬رهيبة‭.. ‬وضع‭ ‬صحي‭ ‬منهار‭ ‬وكارثي‭ ‬وعجز‭ ‬كامل‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬كورونا‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭.. ‬فساد‭ ‬مستشرٍ‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬حد‭.. ‬شلل‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي‭.. ‬وهكذا‭.‬

هذه‭ ‬الأوضاع‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬فجرت‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي‭ ‬وجعلت‭ ‬البلاد‭ ‬مهددة‭ ‬بأن‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬الفوضى‭ ‬والاضطرابات‭.‬

وهم‭ ‬إلى‭ ‬هذا،‭ ‬استخفوا‭ ‬برئيس‭ ‬البلاد‭ ‬وتعاملوا‭ ‬معه‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬رئيسا‭ ‬بلا‭ ‬أي‭ ‬صلاحيات‭ ‬أو‭ ‬سلطات،‭ ‬وأنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يرضخ‭ ‬لإرادتهم‭ ‬ولترهيبهم‭ ‬وألا‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬أي‭ ‬قرار‭ ‬بمفرده‭.‬

على‭ ‬ضوء‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬هي‭ ‬قرارات‭ ‬لإنقاذ‭ ‬تونس،‭ ‬الدولة‭ ‬والشعب،‭ ‬وللحيلولة‭ ‬دون‭ ‬خروج‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬والغرق‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬العنف‭ ‬والفوضى‭.‬

الذين‭ ‬يتحسرون‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬البرلمان‭ ‬المنتخب‭ ‬وتجميد‭ ‬أعماله‭ ‬يتناسون‭ ‬أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬والبرلمانات‭ ‬المنتخبة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬ليست‭ ‬هدفا‭ ‬أو‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أداة‭ ‬وسبيلا‭ ‬للإصلاح‭ ‬ولخدمة‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬وحماية‭ ‬الدولة‭ ‬والشعب‭. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬أصبحت‭ ‬أداة‭ ‬للشقاق‭ ‬والشلل‭ ‬السياسي‭ ‬والتستر‭ ‬على‭ ‬الفساد‭ ‬وعلى‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬مشاكل‭ ‬البلاد،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الحسرة‭ ‬عليها؟

حركة‭ ‬النهضة‭ ‬تهدد‭ ‬بدفع‭ ‬أنصارها‭ ‬للخروج‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬وتحدي‭ ‬القرارات‭ ‬وإثارة‭ ‬الفوضى‭. ‬لو‭ ‬فعلوا‭ ‬هذا‭ ‬فستكون‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬نهايتهم،‭ ‬بالضبط‭ ‬كما‭ ‬نهاية‭ ‬الإخوان‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬ستكون‭ ‬نهايتهم‭ ‬ليس‭ ‬بسبب‭ ‬القرارات،‭ ‬ولكن‭ ‬بسبب‭ ‬الرفض‭ ‬الشعبي‭ ‬لهم‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى