عبدالمنعم ابراهيم : هل قطر ضللت أمريكا في مفاوضات الدوحة مع طالبان؟
ضمن الأخبار المسلية قرأت قبل عام تقريبًا أن رجلا صينيا رفع قضية طلاق ضد زوجته في المحكمة، ويطالبها باسترجاع حقوقه المالية منها، لأنها كذبت عليه ولم تعترف مسبقًا بأنها أجرت (عمليات تجميل) قبل الزواج.. وأنه يخشى من أن ينتقل (قبح) زوجته الأصلي إلى ذريته.. بتعبير آخر هذا الزوج طلب الطلاق بسبب التزوير في الحقائق.
هل هذه الحادثة وغيرها كثير من الحكايات التي تندرج تحت (أنا لا أكذب.. لكني أتجمل) يمكن أن تنطبق أيضًا على (السياسة)، وما يكتنفه العمل السياسي من خبث أحيانًا؟
دعونا نتوقف أمام ما ذكرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» منذ يومين، حيث قالت (إن قطر ضللت الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان)، مشيرة إلى المفاوضات بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق «دونالد ترامب»، وقادة طالبان، بدأت بمبادرة من «الدوحة».. وقالت الصحيفة: إن قطر لعبت دور الوسيط والموصي، وواصلت هذا الدور حتى مع إدارة الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، وأكدت أن إسرائيل مقتنعة بأن قطر ضللت الأمريكيين.. موضحة أن محافل إسرائيلية تؤكد أن «الدوحة» تلعب لعبة مشابهة مع إيران أيضًا، اذ تحتفظ بقاعدة عسكرية أمريكية في أراضيها، ولكنها في الخفاء تمول أعمال إرهاب الحرس الثوري الإيراني.
حديث الصحيفة الإسرائيلية حول الأدوار المزدوجة التي تلعبها (قطر) في المنطقة والعالم يكتسب مصداقية كبيرة نظرًا إلى عديد من السوابق السياسية التي تورطت فيها قطر بدعم جماعات إرهابية كثيرة في العالم، وموضوع دعمها لحركة (طالبان) ما هو إلا قمة جبل الجليد الغاطس في الماء.. ذلك أن قطر نفسها لا تخفي دعمها لحركة (طالبان) منذ سنوات طويلة، بدليل أنها فتحت منذ زمن طويل (مكتبا سياسيا) لطالبان في الدوحة، واستخدمته عصا وجزرة للأمريكان في المفاوضات بين الطرفين.. بل تحدثت مصادر صحفية عن أن قطر هي التي تقدمت بنصيحة وتمويل مالي ولوجستي إلى حركة طالبان بأن تتعاقد مع شركة (علاقات عامة) للترويج والتسويق السياسي والإعلامي، وتنظيف الصفحات السوداء الملوثة بالقمع للحريات المدنية، وقمع المرأة في السنوات التي كانت تحكم فيها أفغانستان خلال (1996-2001)، ولذلك جاءت تصريحات الناطق باسم طالبان (ذبيح الله مجاهد) في أول مؤتمر صحفي له بعد دخول قوات طالبان العاصمة كابول مفعمة بالتسامح المظهري والادعاء بالمرونة السياسية والاجتماعية في الحكم الجديد لطالبان! وأنهم سوف يسمحون بعمل المرأة! والتعليم للفتيات! والعفو السياسي عن الوزراء والمواطنين السابقين! وأعضاء الجيش والشرطة! وتعِد طالبان بالحرية الصحفية أيضًا!.. وما هي إلا أيام قليلة ووجدنا صحفيين يقتلون، ونساء مرعوبات من بطش الحركة المتطرفة يهرعن بأطفالهن نحو مطار كابول لمغادرة وطنهم أفغانستان؟!
عودة إلى البداية: هل أمريكا وقعت ضحية لقطر في أفغانستان، وأن الدوحة ضللت (واشنطن) بلعبها دور (الوسيط والموصي) في المفاوضات الأخيرة مع حركة طالبان؟
يمكن القول إن هناك نوعا من (التماهي) وتبادل المنافع بين قطر وأمريكا فيما يتعلق بالصفقة مع حركة طالبان.. حيث لا يخفى على أحد أن أمريكا كانت تريد التخلص من العبء السياسي والعسكري والمالي الكبير جدا الذي حملته على ظهرها طوال عشرين عامًا هي فترة وجودها العسكري في أفغانستان، ومن ثم فهي تعتبر جزرة الاتفاق مع طالبان فرصة للخروج من هذا الوحل المتحرك الذي تغوص فيه يومًا بعد آخر.. ومن جهتها، اعتبرت (قطر) أن رعايتها والوساطة التي تقدمت بها بين (واشنطن وطالبان)، وما تطلبه ذلك من تلميع صورة (طالبان) للعالم، سيكون نصرًا دبلوماسيًا لقطر ولو مؤقتًا، ويجعل من الإدارة الأمريكية الحالية والرئيس الأمريكي (بايدن) ممتنًا وشاكرًا للوساطة القطرية مع طالبان، رغم أنها (وساطة) زورت الحقائق حول (الوجه الجديد – القديم) لطالبان.. لكن الجانب الأهم في الحسابات القطرية هو أنها ترغب في أن يكون لقطر دور رئيسي وفعال كأب روحي لكل الجماعات الإرهابية المتطرفة التي ستعود للإقامة والعمل في الأراضي الأفغانية مستقبلاً، وذلك استكمالاً لدور قطر في احتضان المتطرفين من جماعات (الإسلام السياسي) في سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا وتونس والصومال.. وكل ما تحتاج إليه قطر حاليًا في أفغانستان هو إجراء عمليات تجميل جراحية لطالبان، من شفط دهون وبوتكس وسليكون؛ لتصبح طالبان دولة الفاتيكان في آسيا!!